جولات عربية وإفريقية وخليجية أجراها سامح شكري وزير الخارجية المصري لشرح الموقف المصري، ومواقف السودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، والتأكيد على انخراط مصر في المفاوضات دون جدوى، إلى أن رحبت مصر -على لسان المتحدث باسم الرئاسة- بالوساطة الأمريكية في ملف سد النهضة.
وفي 6 نوفمبر من العام نفسه، بدأت جولات المباحثات بين الدول الثلاث بالعاصمة واشنطن، بحضور ممثلي البنك الدولي، وهي المحادثات التي وصفها الرئيس الأمريكي حينها دونالد ترامب، بأنها سارت بالشكل الجيد على طريق التوصل إلى حلٍ مُرضٍ لجميع الأطراف المعنية، وفي 16 يناير 2020، نقلت الخارجية المصرية تفاصيل الاجتماعات الأمريكية التي تشمل القواعد المنظمة لملء وتشغيل السد، وكذلك الإجراءات الواجب اتباعها للتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد، بما يؤمن عدم الإضرار بالمصالح المائية المصرية، واتفاق الوزراء على آلية للتنسيق بين الدول الثلاث لمتابعة تنفيذ الاتفاق، إضافة إلى آلية لفض المنازعات، واستمرت جولات واشنطن إلى أن تغيبت إثيوبيا عن "جولة وضع اللمسات الأخيرة" ، وذلك في أواخر فبراير من العام ذاته.
وفي يونيو 2020، أعلنت أديس أبابا، بدء ملء بحيرة سد النهضة بشكل أحادي، وسط اعتراضات من الخرطوم والقاهرة، ما دفع مصر لإحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة، حيث نجحت في إدراجه تحت بند "حفظ الأمن والسلم في إفريقيا"، وعقد المجلس جلسته، التي تعتبرها مصر سابقة تاريخية، كونها المرة الأولى التي يناقش فيها المجلس مسألة ذات صلة باستخدام واستغلال الموارد المائية والأنهار العابرة للحدود، حيث أكدت مصر خلال هذه الجلسة على عدالة قضيتها وأوضحت أنها سعت على مدار عقد كامل إلى التوصل لاتفاق عادل يضمن لإثيوبيا حقها في التنمية ويحفظ مصر والسودان من الأضرار المترتبة على ملء وتشغيل سد النهضة، كما شددت على أنها لن تتردد عن الدفاع عن مقدرات الشعب المصري ومصيره المرتبط بمياه النيل.
وخلال الجلسة، قدمت مصر خطابًا من 63 صفحة تضمن جميع الحقائق حول السد والاتفاقيات المبرمة حول نهر النيل، كما أرفقت دراسة للأبعاد البيئية والاقتصادية للسد، فضلًا عن تفاصيل الاتفاقيات الفنية التي توصلت لها الدول الثلاثة.
فيما يتعلق بالسودان، فكانت هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها السودان الجديد أمام المجتمع الدولي، بعد سنوات من الاتهامات بدعم الإرهاب وفرض العقوبات.
أما عن موقف إثيوبيا، فقد رفض مندوبها الدائم بالأمم المتحدة اللجوء لمجلس الأمن لحل الخلاف، معتبرًا أن ذلك قد يكون حلا "أكثر صعوبة"، ودعا للعودة للبيت الإفريقي لحل الخلاف القائم.
في أعقاب جلسة مجلس الأمن الدولي، انطلقت المفاوضات من جديد برعاية الاتحاد الإفريقي، تحت الرئاسة السابقة لجنوب إفريقيا، كما جددت مصر دعمها للرئاسة الجديدة، ممثلة في الكونغو الديمقراطية، واستأنفت من جديد اجتماعات وزراء الري والخارجية للدول الثلاث، إلى أن أعلنت مصر في 10 يناير الماضي فشل الاجتماعات في تحقيق أي تقدم بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية، حيث تمسك السودان بضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الإفريقي بطرح حلول للقضايا الخلافية وبلورة اتفاق سد النهضة، وهو الطرح الذي تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا وذلك تأكيدًا على ملكية الدول الثلاث للعملية التفاوضية وللحفاظ على حقها في صياغة نصوص وأحكام اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، خاصةً وأن خبراء الاتحاد الإفريقي ليسوا من المتخصصين في المجالات الفنية والهندسية ذات الصلة بإدارة الموارد المائية وتشغيل السدود.
وخلال المفاوضات الإفريقية، أعلن السودان انسحابه مرتين دون الإعلان عن أسبابه بشكل واضح، ما أثار علامات الاستفهام حول موقف الخرطوم من المفاوضات.
وخلال العام الجاري، وتزامنًا مع الفشل الذي يلاحق المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي، دعا السودان إلى ضرورة توسيع مظلة الوساطة في مفاوضات سد النهضة لتشمل الأمم المتحدة.
في يناير من العام الجاري 2021، أعلن وزير الري والكهرباء الإثيوبي عن نية بلاده المضي قدمًا في تنفيذ الملء البالغ 13.5 مليار متر مكعب للعام الثاني على التوالي، وذلك في يوليو المقبل دون التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث.
من جانبه، شدد السودان على مخاطر شروع إثيوبيا في الملء الثاني لسد النهضة دون التوصل لاتفاق، وأثر ذلك على سلامة تشغيل سد الروصيرص والمنشآت المائية الأخرى في البلاد، رافضًا سياسة فرض الأمر الواقع، وضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة يحفظ ويراعي مصالح القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.
أما مصر، فقد أكد وزير خارجيتها سامح شكري أن بلاده لديها سيناريوهات كثيرة في التعامل مع سد النهضة، مؤكدا أن كل وضع له رد الفعل المناسب له، ومعربًا عن أمله أن تثمر الرئاسة الجديدة للاتحاد الإفريقي عن نتائج إيجابية بشأن المفاوضات.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية أكد صراحةً اعتزام بلاده استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم تصل الدول الثلاث إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة، وهو ما رفضته مصر بشكلٍ قاطع، حيث أكدت وزارة الخارجية المصرية في 20 مايو 2021، أن تلك التصريحات تعكس سوء نية إثيوبيا وسعيها لإجهاض الجهود الجارية من قبل وسطاء دوليين وأفارقة من أجل حل أزمة سد النهضة ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وهو أمر لم ولن تقبل به مصر.
وعلى الرغم من إعلان أديس أبابا الملء الثاني في يوليو 2021، أكد السودان في 25 مايو 2021، أن إثيوبيا قد بدأته بالفعل، بحيث سيتم الانتهاء منه بحلول يوليو، وأكد رئيس وفد التفاوض السوداني في ملف سد النهضة الإثيوبي، مصطفى حسين الزبير، أن هذا الإجراء يشكل أول مخالفة، وأن هناك تحركات إفريقية وعربية ودولية لإرسال رسائل بأن الملء الثاني بدأ فعليا دون وجود إشارات لمنع إثيوبيا منه دون اتفاق.