لقاحات كورونا..

هل يتحكم "بيزنيس" الشركات
في استمرارية الوباء؟!

لقاحات كورونا..

هل يتحكم "بيزنيس" الشركات
في استمرارية الوباء؟!

فور ظهور فيروس كورونا نهاية 2019، وامتداده إلى جميع دول العالم، دار الحديث عن مدى صعوبة إنتاج لقاح مضاد للفيروس، وما إذا كانت فعاليته فورية أم لا، وما إن مرت فترة ضئية لا تتعدى الـ 10 أشهر، إلا وأصبح اللقاح ضد covide 19 متاحًا، وسط سباق عدد كبير من الشركات على مستوى العالم.

فبحلول أواخر عام 2020، بعد عام تقريبًا من ظهور كوفيد في مدينة ووهان الصينية، كان هناك 200 لقاح قيد التجارب أو قيد الاستخدام بالفعل، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية - وهو رقم قياسي عالمي في تاريخ اللقاحات، ويعكس مساعٍ كبيرة قامت بها شركات الأدوية لاستغلال الظرف الصحي العالمي.

ربح قياسي وفرصة غير مسبوقة

قبل جائحة Covid-19، كانت شركات الأدوية الكبرى تخفف من تجارة اللقاحات، حيث أنه بحلول العام 2019، تضاءل عدد صانعي اللقاحات نظرًا لأنها تٌستخدم مرة أو مرتين فقط - على عكس الأدوية التي يتناولها الناس يوميًا - فهي ليست مُربحة، كما أن برامج التطعيم قد تعرض منتجيها أيضًا إلى رفع دعاوى جماعية إذا حدث خطأ ما.

لكن الوضع اختلف تمامًا بالنسبة للقاح فيروس كورونا، فالجميع ينتظر المنقذ الذي سيفتح الأبواب من جديد أمام السفر والتجارة والتسوق بعد أشهر من الإغلاق، وبالفعل أحدثت أزمة كورونا العالمية قفزة غير مسبوقة في إيرادات الشركات المنتجة للقاح مضاد، وتحول الأمر إلى "بيزنيس" ربحي بعد أن كان الهدف هو إنقاذ البشرية من وباء مميت.

في البداية، تعهد كل من Johnson & Johnson و AstraZeneca ببيع لقاحاتهما على أساس غير ربحي أثناء الوباء، إلا أن الرئيس التنفيذي لشركةAstraZeneca ، باسكال سوريوت، قال -في تصريح له الشهر الماضي- إنه «في مرحلة ما في المستقبل، سترفع الشركة أسعارها .. لا يمكننا أن نكون مؤسسة غير ربحية إلى الأبد ، لكننا لن ننوي أبدًا تحقيق أرباح كبيرة»، كما قررت شركة "موديرنا"، التي لم تحقق ربحًا أبدًا وليس لديها أية منتجات أخرى في السوق، بيع لقاحها بربح، كما اتخذت شركة Pfizer قرارًا أيضًا بالاستفادة من لقاحها.

فايزر.. في مقدمة المستفيدين

تصدر لقاح "فايزر" -الذي طورته شركة "فايزر" الأمريكية بالتعاون مع "بيونتيك" الألمانية- إيرادات مبيعات لقاح كورونا، حيث يعتبر اللقاح هو الأعلى سعرًا بين اللقاحات الأخرى، مستغلة في ذلك كونها أول لقاح من نوعه يُصرح له بالاستخدام الطارئ من قبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقبل أيام، أعلنت الشركة أن لقاحها حقق إيرادات بلغت 3.5 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2021، في الوقت الذي يعد فيه اللقاح هو أكبر مصدر دخل لشركة Pfizer.

وفي النصف الأول من العام الجاري 2021، بلغت مبيعات شركة فايزر 11.3 مليار دولار، بينما رفعت الشركة توقعات مبيعاتها لعام 2021 إلى 33.5 مليار دولار، بعد أن كانت قد أعلنت عن مبيعات قدرها 26 مليار دولار فقط لم تكن تتضمن الجرعات التنشيطية.

من جانبها، تتوقع BioNTech أن تحقق عائدات تقارب 16 مليار يورو من اللقاح هذا العام، حيث قفز صافي أرباح النصف الأول إلى ما يقرب من 4 مليارات يورو بينما بلغ 142 مليون يورو في العام السابق

واتفقت الشركتان على توريد ما يصل إلى 1.8 مليار جرعة إلى الاتحاد الأوروبي في الفترة من ديسمبر 2021 حتى عام 2023، بالإضافة إلى 600 مليون جرعة تم طلبها سابقًا هذا العام، كما طلبت الحكومة الأمريكية 700 مليون حتى أبريل من العام المقبل للأمريكيين، بالإضافة إلى 500 مليون للتبرعات للدول الأشد فقرًا.

وتهدف شركتا Pfizer و BioNTech إلى إنتاج 3 مليارات جرعة هذا العام و 4 مليارات العام المقبل، فيما ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أن الشركتين تفرضان الآن رسومًا على الاتحاد الأوروبي تبلغ 19.50 يورو لكل جرعة، ارتفاعًا من 15.50 يورو في أول صفقة شراء.

موديرنا.. من اللاشئ" إلى المقدمة

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. هو ما حدث بالفعل مع شركة "موديرنا" التي حققت أرباحًا نصف سنوية من لقاحها المضاد لفيروس كورونا- للمرة الأولى منذ نشأتها في العام 2010، حيث حققت ما يقرب من 6 مليارات دولار من مبيعات لقاح Covid-19 في النصف الأول من العام 2021.

ووقعت شركة موديرنا على عقود لقاحات بقيمة 20 مليار دولار العام الجاري، بما في ذلك 17 مليون جرعة إلى المملكة المتحدة، و460 مليونًا إلى الاتحاد الأوروبي و 500 مليون إلى الولايات المتحدة، وتتوقع أن تنتج ما يصل إلى مليار جرعة هذا العام ، كما تتوقع إنتاج من 2 مليار إلى 3 مليارات جرعة في عام 2022.

وبينما تلقت الشركة دعمًا من الحكومة الأمريكية للمساعدة في تطوير اللقاح، فقد بلغت رسومه داخل الولايات المتحدة حوالي 16.50 دولارًا للجرعة، بينما تبلغ من 22 دولارًا إلى 37 دولارًا خارج الولايات المتحدة.

ورفعت الشركتان الأمريكيتان، Pfizer و Moderna ، أسعار لقاحات Covid-19 بعد أن أظهرت بيانات من التجارب السريرية أن تركيبة mRNA كانت أكثر فاعلية من اللقاحات الأرخص ثمنًا مثل AstraZeneca البريطانية وصانع الأدوية الأمريكي Johnson & Johnson.

أسترازينيكا.. الأرخص بين اللقاحات

حققت AstraZeneca عائدات بقيمة 1.2 مليار دولار من اللقاح الذي طورته مع جامعة أكسفورد، وذلك في النصف الأول من العام 2021، كما قامت، حتى الآن، بشحن مليار جرعة على مستوى العالم، وتهدف إلى إنتاج ما مجموعه 2 مليار إلى 3 مليارات جرعة هذا العام.

وتجري حكومة المملكة المتحدة مفاوضات مع AstraZeneca لطلب نسخة جديدة من لقاحها يتم تكييفه للتعامل مع متغيرات فيروس كورونا، ومن المتوقع نتائج التجارب السريرية في وقت لاحق من هذا العام.

ويعد AstraZeneca أرخص لقاحات Covid-19 الرئيسية، بسعر 2.15 دولارًا فقط للجرعة في عقد الشركة مع الاتحاد الأوروبي، وارتفع إلى ما يزيد قليلاً عن 5 دولارات في الجرعة للدول الأخرى.

الجرعات التنشيطية.. ضرورة أم استغلال؟

تنطلق بين الحين والآخر، العديد من الشائعات والأقاويل المتعددة بشأن لقاحات فيروس كورونا، ما يجعل الجميع في حالة من عدم التأكد، تعتبر الشركات المنتجة للقاحات هي المستفيد الأول والأخير منها.

تلك الأقاويل تتعلق إما بفعالية اللقاحات ضد فيروس كورونا الأصلي أو أحد متحوراته، أو مدى كفاءة أحد اللقاحات عن غيره، حيث خرجت شركة "موديرنا" بتصريحات صادمة، أكدت فيها على انخفاض فعالية لقاحها مع مرور الوقت، لافتة إلى أن تجارب سريرية أجرتها على متلقي لقاح موديرنا أثبتت انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا بين هؤلاء الذين تلقوا اللقاح في وقت مبكر، كما أشارت إلى أن الأشخاص المحصنين لا يزالون معرضون للإصابة بمتحور "دلتا"، وطلبت الشركة الأمريكية من إدارة الغذاء والدواء الإذن بجرعة ثالثة معززة بنصف جرعة لقاحها الحالي.

تصريحات "موديرنا" يبدو أنها جاءت لتلحق بالسباق الجديد، حيث أٌعلنت بعد أيام قليلة من دراسة بريطانية، أكدت انخفاض فعالية بعض اللقاحات (فايزر وأسترازينيكا) بعد مرور 6 أشهر من تلقيها، كما أكدت دراسة أخرى أن فعالية اللقاحين ضد متحور "دلتا" تتضائل بعد 3 أشهر من تلقيهما.

شركة "فايزر" ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث أكدت أن هناك حاجة على الأرجح إلى تلقي تعزيزات منتظمة من اللقاح للحفاظ على الاستجابة المناعية ومواجهة السلالات المتغيرة الناشئة، ما يعني استمرار تلقي اللقاحات، وبالتالي استمرار تدفق الإيرادات، بينما دفعت حالة الخوف لدى العديد من الدول إلى طلب المزيد من الجرعات التنشيطية.

في الوقت ذاته، أكد عدد من الباحثين أن الأدلة المتاحة لا تدعم تلقي الجرعات التنشيطية من لقاحات كورونا، كجرعات معززة، لافتين إلى أن المؤشرات التي تم الترويج لها لتراجع المناعة، مثل انخفاض مستويات الأجسام المضادة، لا تشير بالضرورة إلى أن اللقاح أصبح أقل فعالية بمرور الوقت.

ووفق مجلة "ذا لانسيت" الطبية، فإن باحثين -من بينهم خبراء من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية- حذروا من أن الدعوات غير الضرورية للحصول على جرعات معززة قد يقوض الثقة في اللقاح ورسائل الصحة العامة حول قيمة الحصول على التطعيم، خاصةً إذا كانت المعززات تستخدم فقط لنوع واحد من اللقاحات دون غيره، كما رجح الباحثون "ردود فعل سلبية كبيرة" إذا تم إعطاء المعززات في وقت مبكر جدًا أو استخدامها بشكل متكرر، مثل زيادة خطر الإصابة بالتهاب عضلة القلب.

جرعات تنشيطية.. ربح أكثر

جمعت Pfizer و BioNTech و Moderna بالفعل أكثر من 60 مليار دولار من المبيعات لهذا العام والعام المقبل من لقاحات COVID-19 الخاصة بهم، لكنهم الآن قادرون على جني المزيد من المليارات من الجرعات التنشيطية للقاحات كورونا.

ويتوقع المحللون أن تتمكن شركة Pfizer وشريكتها الألمانية BioNTech من تحقيق إيرادات تزيد عن 6.6 مليار دولار في عام 2023 وموردينا 7.6 مليار دولار، معظمها من مبيعات الجرعات الداعمة.

وقرر عدد متزايد من البلدان تقديم جرعات معززة لمواطنيها، خاصةً الأكبر سنًا والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، ويقول رئيس شركة موديرنا إنه في مرحلة ما، ستصبح لقاحات COVID-19 "سوقًا أكثر تقليدية.

الدول الفقيرة وسباق جني الأرباح

السعي وراء جني الأرباح، أضر بالدول الفقيرة بشكلٍ أساسي، فبالرغم من التصريحات المستمرة بتوجيه الدعم لتلك الدول، فإنه وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، فإنه اعتبارًا من منتصف أبريل الماضي، حصلت الدول الغنية على أكثر من 87% من أكثر من 700 مليون جرعة من لقاحات Covid-19 تم توزيعها في جميع أنحاء العالم، بينما تلقت البلدان الفقيرة 0.2% فقط ، حيث أشارت المنظمة إلى أن واحد من كل أربعة أشخاص في البلدان الغنية يتلقى اللقاح، بينما في البلدان الفقيرة، يتلقى اللقاح شخص واحد من بين كل 500 شخص.

تلك الأرقام الصادمة، تتزامن مع إعلان شركة فايزر التزامها بأن يصل اللقاح إلى جميع دول العالم، لكن لقاح الشركة يصل بشكل غير متناسب إلى أغنياء العالم، وهي نتيجة -حتى الآن على الأقل- تتعارض مع تعهد رئيسها التنفيذي بضمان أن البلدان الفقيرة "تتمتع بنفس الوصول مثل بقية العالم إلى لقاح فعال للغاية في منع Covid-19"

ويشدد الباحثون على أن الإمداد المحدود من اللقاحات يجعل من الضروري إنقاذ المزيد من الأرواح إذا تم استخدامه مع الأشخاص الذين لم يتلقوا لقاحًا بعد، مشيرين إلى أنه حتى لو أمكن تحقيق بعض المكاسب في النهاية من التعزيزات، فإنها لن تفوق فوائد حماية غير الملقحين.

شارك عبر: