الزحف السكاني يسابق قطار التنمية

إلى أين تصل ديموغرافيا المملكة بعد 25 عامًا؟

يرتبط المفهوم النظري الشائع عن الدول بمكونات رئيسية هي الإقليم –الأرض- والشعب، والحكومة، وجميع هذه المكونات يحكمها إطار واحد وهو التنمية المستدامة والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية، وإعمار كافة أرجاء الإقليم.

وتعد الكثافة السكانية التي هي النسبة بين عدد السكان، ومساحة الأرض التي يعيشون عليها، العامل المؤثر الرئيسي في معدلات النمو للدول، والتحدي الأكبر الذي يواجه العالم، حيث قدّرت الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار نسمه عام 2030، و 9.7 مليار نسمة عام 2050 و 11.2 مليار نسمة عام 2100.

8500000000

2030

9700000000

2050

11200000000

2100

ولأن الإنجاز في التنمية رحلة، ومواجهة التحديات يستدعي الاستناد إلى أساليب علمية، تعتمد السعودية في كل قرار تنموي على المعلومة، وترتكز في مخططاتها إلى البيانات والأرقام والإحصاءات، وتستشرف المستقبل داخليًا عبر بوابة التنبؤ بالتطور الديموغرافي، وفق بيانات التعداد السكاني الذي عرفته المملكة لأول مرة عام 1394هـ الموافق 1974م.

التطور السكاني في المملكة الواقع بالأرقام

عدد سكان المملكة في التعدادات الأربع (1974،1992،2004،2010) وإحصاء 2019

2019
2010
2004
1974

رسم بياني:1

  • السعوديين
  • المقيميين

أجرت المملكة التعداد السكاني للمرة الثانية عام 1992، حيث بلغ عدد سكان المملكة 16.95 مليون نسمة، منهم 12.31 مليون مواطنًا و4.64 مليون مقيمًا، مقابل 7 ملايين مواطن، و791.1 ألف من المقيمين، عام 1974، وجاءت أبرز المناطق كثافة على النحو التالي

وفي عام 2004 أُجري التعداد السكاني الثالث، حيث بلغ إجمالي عدد السكان حينها 22.68 مليون نسمة، من بينهم 16.53 مليون مواطنًا و6.15 مليون مقيمًا، وجاء تعداد السكان بالمناطق الأكثر كثافة كما يلي:

وقبل 10 سنوات (2010) أجرت المملكة التعداد السكاني الرابع، وبلغ إجمالي عدد السكان حينها 27.24 مليون نسمة، منهم 18.77 مليون مواطنًا و8.46 مليون مقيمًا، وجاءت المناطق الخمس الأكثر كثافة كما يلي:

المدينة المنورة

عسير

الشرقية

الرياض

مكه المكرمة

ووفق آخر المسوح الديموغرافية للمملكة الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء عام 2017، جاء عدد السكان بالمناطق الأكثر كثافةً وفق ما هو موضح بالرسم البياني السابق

رؤية 2030

وبناءً على النماذج الإحصائية السابقة ومعدلات النمو السكاني، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء في منتصف عام 2019، أن تقديراتها لإجمالي عدد سكان المملكة بلغ 34,218,169 نسمة، من بينهم 12.64 مليون مقيم، يُصنّف حوالي 3,64 مليون منهم ضمن العمالة المنزلية الأجنبية- حسب مسح قوة العمل للربع الرابع من العام 2019. وتجري المملكة حاليًا التعداد الأهم 2020 نظرًا لاعتماده على أحدث وسائل التسجيل والحصر وتحليل الخصائص السكانية، لاسيما في ظل تزايد الطلب على البيانات والمعلومات والمؤشرات الإحصائية الموثوقة، اللازمة لوضع الخطط ورسم السياسات واتخاذ القرارات، وأهمية رفع معلومات دقيقة مُستمدة من الواقع إلى صنّاع القرار، للمساهمة بصورة دقيقية في دعم خطط ومراحل تنفيذ رؤية المملكة 2030 وبرامجها الاثني عشر

21,57

34,21

12,64

رسم بياني:3

  • السكان
  •  السعوديين
  • المقيمين
الإسكان.. أولى فجوات التخمة السكانية

تعتبر الفجوة بين الطلب والعرض بقطاع الإسكان من أبرز تحديات الزيادة السكانية، حيث يبلغ الطلب المتراكم على الإسكان 1,45 مليون طلبًا في مناطق المملكة، ومن الملاحظ أنه يوجد ارتفاع في بعض المدن، وحازت 10 مدن فقط 60% من المستهدف من برنامج الإسكان 2020، في إطار رؤية المملكة 2030، واستأثرت المدن الأكثر كثافة بطلبات المستفيدين من مشروعات وزارة الإسكان على النحو التالي:

رسم بياني:4

  • الرياض
  •  مكة المكرمة
  • المنطقة الشرقية
  • عسير
  • المدينة المنورة
الأمن الغذائي.. الأولوية القصوى

في المملكة التي تبلغ مساحتها أكثر من مليوني كم² 90% منها صحاري وهضاب، تبذل الحكومة جهودًا مكثفة لتحقيق معادلة الأمن الغذائي القائمة على تمكين جميع الناس للحصول على غذاء صحي وآمن وكافٍ وذو قيمة غذائية مقبولة وبأسعار متعادلة وفي كل الأوقات، ورغم جائحة كورونا، إلا أن المملكة واصلت تقدمها في مؤشر الأمن الغذائي العالمي وحصلت على المرتبة الـ 30 من أصل 113 دولة، متقدمة مرتبتين عن تصنيف عام 2016. لكن مع الزيادة السكانية على مدى السنوات الماضية، واستشراف مزيد من الزيادة مستقبلًا، يمكن الوقوف على مسارات بيانات الاستهلاك الغذائي، وحجم الاستهلاك المتوقع، وفق الرسم البياني التالي:

وبناءً على ذلك، يبلغ متوسط الإنتاج 7.9 مليون طن، ومتوسط الاستهلاك 27.3 مليون طن، بمعدل نمو 4.2٪ خلال العشر سنوات، مما يعني توقع استهلاك 42,2 مليون طن عام 2025، و72.3 مليون طن عام 2044.

الطاقة.. محرك التنمية

يعتمد النمو الاقتصادي في العالم حاليًا على الطاقة كأحد أهم محركات النمو، ويرتبط الطلب الاستهلاكي ارتباطًا جذريًا بالواقع السكاني، وهو ما يعظم من أهمية دراسة بيانات استهلاك الطاقة في المملكة، بالنظر إلى الزيادة السكانية.

السكان السعوديين.. والإجابات الغائبة!

أظهرت نتائج وبيانات التعدادات السكانية والمسح الديموغرافي للمملكة عام 2017، بأن 15,240,666 مليون نسمة بما يعادل 44.54% من إجمالي السكان (أكثر من 34 مليون نسمة) يتمركزون في 5 مناطق فقط بالمملكة التي تُقدّر مساحتها بنحو 2.000.000 كم2، ويرجع ذلك إلى القوة الاقتصادية والمالية لتلك المناطق وتمددها العمراني ومقوماتها الطبيعية التي تحظى بها، وهو ما يحتم أهمية قراءة بيانات وأعداد السكان الصادرة والواردة إلى تلك المناطق، كأحد أهم المؤشرات على حركة الهجرة الداخلية للسكان، وهو ما يوضحه الرسم البياني التالي:

17,000
22,909
مكة المكرمة
0
9,625
المدينة المنورة
12,021
8,878
الشرقية
3,551
21,977
عسير
1,960
11,173
القصيم
3,057
1,657
تبوك
621
17,703
حائل
425
0
الحدود الشمالية
1,864
14,456
جازان
0
0
نجران
223
5,664
الباحة
513
1,687
الجوف

رسم بياني:6

  • الصادر
  • الوارد

ولأن الرياض كما تم توضيحه، هي الأعلى بين المناطق الأكثر جذبًا للسكان، حيث بلغ ما استقبلته عام 2017 فقط 115,729 نسمة، وهو ما يطرح علامات استفهام تبدو منطقية حول المناطق الأكثر تصديرًا للسكان إلى الرياض.

التمدد العمراني في منطقة الرياض.. الخرائط تتحدث

من خلال البحث في مصادر المعلومات الجغرافية، تبين لنا عبر خرائط GIS أن للعاصمة الرياض قد شهدت تمددًا عمرانيًا بصورة ملحوظة خلال الفترة 1972-2019، حيث توضح الخرائط المرفقة أن المساحة الجغرافية ارتفعت من 304كم٢ في عام 1972، إلي أكثر من 1800كم٢ في عام 2019، وهو ما يعني أن حجم التمدد خلال ذات الفترة ارتفع بنسبة تصل إلى أكثر من 500 ٪.

خرائط GIS توضح التمدد العمراني لمنطقة الرياض منذ 1972 إلى 2019

خصائص المناطق الأكثر كثافة.. ونظرية الـ 68 مليون نسمة

يعد النمو السكاني في المملكة من المعدلات المرتفعة جدًا في العالم، حيث يبلغ 2.4% لعام 2019، وإذا ما طبقنا نظرية النمو السكاني للمفكر الاقتصادي البريطاني الشهير، توماس مالتوس، والتي تشير في أحد جوانبها إلى أن عدد السكان سيتضاعف مرة كل 25 عامًا، فإن هذا ينبئنا بأن عدد سكان المملكة سوف يصل إلى 68 مليون نسمة عام 2044، وهو أمر ربما أقل من المتوقع وأكثر تفاؤلًا، إذا أخذنا في الاعتبار أن المملكة البالغ تعدادها حاليًا أكثر من 34 مليون نسمة، كان عدد سكانها عام 1995م أقل من 17 مليون نسمة، مما يعني أن التعداد تجاوز الضعف بأكثر من 4 ملايين نسمة خلال 25 عامًا.

ويحل قطاعي التعليم والصحة على رأس بند الإنفاق في موازنة المملكة 2020 ، حيث بلغت قيمة الإنفاق على قطاع الصحة في موازنة (2019/2020) 167 مليار ريال، وبلغ الإنفاق على قطاع التعليم 193 مليار ريال، وبالمقارنة مع الموازنة العامة للمملكة قبل 10 سنوات 2009/2010 فقد بلغت قيمة الإنفاق على التعليم 150 مليار ريال، وعلى الصحة 68,7 مليار ريال، فقد ارتفع الإنفاق على التعليم بقيمة 43 مليار ريال خلال 10 سنوات فقط، بمعدل زيادة سنوية 4,3 % (4,3 مليار ريال)، وبالتطبيق على نظرية "مالتوس" فهذا يعني أن الإنفاق المفترض على التعليم وفق هذا المعدل عام 2044 سيصل إلى 300.5 مليار ريال.

كما ارتفع الإنفاق على الصحة خلال 10 سنوات الماضية بمقدار 98,3 مليار ريال، وبمعدل زيادة سنوية تبلغ 9,83 % (9,83 مليار ريال سنويًا)، مما يعني أن الإنفاق المفترض وفق هذا المعدل عام 2044 سيبلغ 421.75 مليار ريال، وذلك يعزز اهتمام العالم بالقطاع الصحي بعد انتشار جائحة كورونا.

150 مليار

193 مليار

300.5 مليار

421.75 مليار

167 مليار

68,7 مليار

2009/2010

2019/2020

2044

2044

2019/2020

2009/2010

رسم بياني:7

  • التعليم
  • الصحة

وبالنظر إلى قوة العمل في المملكة قبل 25 عامًا فقد بلغ عدد السكان داخل تلك الفئة (15-64 عامًا) 5,585,373 نسمة، في حين بلغت في 2019 وفق الهيئة العامة للإحصاء 14,387,604 نسمة، ويُنتظر أن تصل بعد 25 عامًا (2044) إلى 23,189,835 نسمة.

وتبلغ نسبة السكان غير السعوديين داخل قوة العمل -64:15 عامًا- 83.2%، وهي نسبة مبررة بوجود الوافدين لأغراض العمل، وجاءت نسبة غير السعوديين أقل من 15 عامًا 15.2%، ونسبة من تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر 1.6%، وبالتالي تبلغ نسبة غير السعوديين خارج إطار قوة العمل 16,8 % من إجمالي الوافدين، وهي نسبة ليست بالقليلة، فرغم أنها تعني أن 16,8 % من الوافدين لا يزاحمون السعوديين على فرص العمل، لكن تشير إلى أن تلك النسبة تتقاسم مع فئة قوة العمل الضغط على البنية التحتية، والقطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والسكن.

فرص العمل.. كلمة السرّ والناقل الحصري

كما ذكرنا فإن المناطق الخمس الأكثر كثافة سكانية، هي الرياض، ومكة المكرمة، والشرقية، والمدينة المنورة، وعسير، وتضم هذه المناطق فقط 44,54 % من السكان، فقد جاءت تلك الكثافة انعكاسًا لبيانات المشتغلين وفرص العمل، بحسب مسح قوة العمل في المملكة للربع الأخير من العام 2019، حيث جاء على النحو التالي:

ملاحظة: البيانات لا تشمل العاملين في القطاعات الأمنية والعسكرية والعاملين غير المسجلين في سجلات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ووزارة الخدمة المدنية

القفزة الكبرى لأعداد الوافدين آخر 10 سنوات.. لماذا؟!

بالنظر إلى تطور التعداد السكاني للمملكة منذ إجرائه لأول مرة عام 1974، يتضح أن القفزة الكبرى في عدد المقيمين سجلها العقد الثاني من القرن الحالي (2010-2020)، حيث بلغ عدد المقيمين في 2010 8.46 مليون مقيمًا، في حين قدّرت الهيئة العامة للإحصاء عددهم الحالي بـ 12.64 مليون مقيمًا، بناءً على آخر إحصاء في منتصف 2019، وتفرض هذه الزيادة علامات استفهام، خصوصًا أنها تأتي بالرغم من تنفيذ برامج التوطين، وفرض رسومٍ على المرافقين الأجانب عند تجديد هوية المقيم، تبلغ 4800 ريال للشخص الواحد، لكن يمكن تفسير ذلك وفق عدة أسباب من بينها ما يلي:

كيف تروّض المملكة شبح الزيادة السكانية ؟

جهود المملكة في مواجهة الزيادة السكانية

تلك الأرقام قد يكون بعضها صادمًا، خصوصًا على صعيد التنبؤ بالتعداد المستقبلي، والتحديات التي تواجه العالم إزاء الإنفجار السكاني، والتي تتعاظم خطورتها مع الأزمات العالمية كجائحة كورونا، لكن أمام هذه التحديات هناك خطط استراتيجية تستشرف أيضًا التحديات المستقبلية، ويُبني عليها مشاريع وبرامج تنموية قادرة على استيعاب القادم، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.