ماذا لو استيقظت يومًا ما ووجدت جسدك زجاجيًا يرى الجميع ما بداخله؟! قد يظن البعض أن زمن الأساطير والخيالات قد ولّى، غير أنك كما كنت لا تتخيل مطلع 2020 أن يثور العالم ضد فيروس لا يُرى بالعين، ويتوقف الكوكب الأرضي عن النبض لشهور،
عليك ألا تكّذب أو تصدّق أي رواية قد تبدو في نظرك خيالية، بينما ينتظرها واقعٌ عملي عمّا قريب، فلم يكن يتوقع أحد أن تكون أفلام الخيال العلمي حقيقة بعد عقود معدودة، ففي عام 1902 صوّر المخرج الفرنسي جورج ميلييس، إبداعه في فيلم بعنوان "رحلة إلى القمر" حيث روى قصة باحثيْن سافرا إلى القمر على متن صاروخ، ولاقى الفيلم آنذاك إعجاب متابعيه، لكن منذ ستينيات القرن الماضي، وبعد أن أطلقت أول رحلة نحو القمر، أصبحت تحوّل الفيلم من مربع الخيال العلمي، إلى محاكاة الواقع، بالضبط كما في فلم "Metropolice" عام 1927، الذي تنبأ بالإنسان الآلي في فكرة خيالية مثيرة للإعجاب،
بينما أصبح من المألوف في العالم حاليًا، ظهور الروبوتات في مجالات الحياة عمومًا.
كما ذكرنا، علينا ألا نصدّق أو نكذّب بسهولة، لكننا نقف أمام ما تم تداوله خلال الأشهر الماضية حول ما يبدو من قبيل الخيالات العلمية، التي تتحدث عن مستقبل جديد للإنسان الذي يمكن أن يتحول إلى كتاب مفتوح عبر "باركود" يحمل خصائصه وأدق تفاصيله الجينية، وفق طرح نُسب لـ"بيل غيتس" مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية، يقضي بزرع شريحة في جسد الإنسان، بداعي مواجهة الفيروسات والأوبئة، لكنها قوبلت بتشكيك في رغبة من يقف خلفها في التحكم في مصائرالـ 7 مليار نسمة في العالم. لكن "بيل غيتس" لم يصمت أمام تلك النظريات التآمرية، حيث باغتها بتصريحات ضارية، معتبرًا مجرد تداولها شيء من الجنون.
في عام 2015، وخلال أحد المؤتمرات، تنبأ "بيل غيتس" بوجود حرب جديدة من نوع خاص سيواجهها العالم والبشرية، وهي حرب الأوبئة، وذكر أنه إذا كان هناك ما يهدد العالم خلال السنوات القادمة فهو على الأرجح سيكون فيروس – وليس حرب، الميكروبات هي من ستقتلنا وليس الصواريخ، ولم تكن تلك التصريحات في محفل اعتيادي،
بل في أحد مؤتمرات "TED"، وهي اختصار لـ" Technology, entertainment, design" حيث تعد من أهم سلاسل المؤتمرات العالمية التي تهدف لتعريف ونشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم.
الملايين ممن شاهدوا فيديو "بيل غيتس" في العام 2015، يُرجح أن عددهم قد أصبح بالمليار، فور صعود "بيل غيتس" على ساحة مواجهة كورونا، وسريان تصريحات منسوبة إليه حول اقتراحه زرع شريحة في جسد الإنسان، حيث استدعى الملايين المقطع الذي مرّ عليه 5 سنوات، وأعادوا نشره على نطاق واسع بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم، بل بلغ الحد إلى اتهام "بيل غيتس" بامتلاك معلومات حول "تخليق فيروس كورونا" وأن تنبؤه لم يكن من قبيل الصدفة، وهنا من ذهب إلى أبعد بعيد، حين ذكر أن "بيل غيتس" حصل على براءة اختراع لعلاج الفيروس الذي كان من صنيعته، لتسهيل عملية إقناعه للبشرية بمقترحه الجديد.
السبب الآخر، الذي يغذي به أصحاب نظرية المؤامرة آراءهم، الخلفية الاقتصادية والاستثمارية لـ"بيل غيتس"، باعتباره ثاني أغنى رجل في العالم ، واحتمالية تفكيره في صناعة بشرية، تعتمد على الجسد الإنساني وتتحكم به، ومن ثم تحقيق مكاسب مالية باهظة، لاسيما إذا تعلق الأمر بجانب الصحة المصيري، وفي ظل تهافت دول العالم على مخلّص من براثن الفيروس القاتل.
انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة كانت حاضرة في المشهد، حيث اعتبرت حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الضجة الإعلامية المثارة حول الأمر هدفها تغذية فكرة التطعيمات الإلزامية، وزرع الرقائق في الناس لتمييز الخاضعين للفحص عمن تهربوا منه. وأرجع البعض هجوم أنصار ترامب على اقتراح "بيل غيتس" إلى موقف مؤسسة "غيتس" الخيرية من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية، وتوجيه انتقادات لاذعة إليها، بداعي الفشل في إدارة الأزمة، ومحاصرة الفيروس في الصين، حيث كانت مؤسسة "غيتس" في صدارة المعارضين لقرار "ترامب" واعتبرته خطوة خطيرة، بحسب مليندا غيتس.
وأسس "بيل غيتس" من خلال مايكروسوفت، مؤسسة ID2020 (الهوية الرقمية 2020) ومقرها نيويورك، وهي عبارة عن تحالف عالمي من 4 شركات أخرى، من أجل تأسيس رقائق إلكترونية دقيقة قادرة على رصد أنشطة الإنسان، وحالته الصحية. وبحسب الموقع الرسمي لمؤسسة (الهوية الرقمية 2020)، أن عملها يهدف إلى تحسين الحياة، وأنها لا تعمل على الرقائق المضمنة، ولن تفكر في المستزرعات، وأكدت أن ID2020 هي ليست من بين أنظمة المراقبة المخيفة للغاية، وأرجعت عملها إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم غير قادرين على إثبات هويتهم بأي وسيلة معترف بها،
وبالتالي يجب أن يتحكم الأفراد في هوياتهم الرقمية، بما في ذلك كيفية جمع البيانات الشخصية واستخدامها ومشاركتها، وأن يكون كل فرد قادرٍ على تأكيد هويته عبر الحدود المؤسسية والوطنية التي يراها.
مصطلح نظرية المؤامرة الذي ظهر لأول مرة في أحد المقالات الاقتصادية عام 1920، لم يعبأ به الساخرون العائمون في بحور اللامبالاة، حيث اعتبرت تلك الفئة طرح "بيل غيتس" ضمن قائمة الأطروحات الخرافية، التي سيقت في عدد من الدول وقوبلت بسخرية شديدة، كترويج وكالة الأناضول التركية الرسمية، والإعلام الموالي للنظام، للكوارع باعتبارها من الأغذية المفيدة في مكافحة الفيروس الذي عجزت أعتى المؤسسات الصحية في العالم عن مواجهته. سمّها كما شئت، مؤامرة كونية أو ماسونية أو صراع حضارات، أو خرافات.. الأهم أنك أمام طرح خيالي، ساقه إلى البشرية واحد من أغنى رجال العالم المؤثرين "بيل غيتس" وأحد روّاد التجارة والاستثمار في الكوكب الأرضي، الذي يتحدث عن زرع شريحة في جسد الإنسان، لمواجهة الأوبئة والفيروسات.
دفع الخوف الشديد لدى البشر من تفشي فيروس كورونا، إلى البحث عن أي حل حتى لو كان بالخضوع للرقمنة، وهو ما ساهم في بحث فئات واسعة عن معلومات دقيقة بخصوص شريحة مايكروشيب التي تهدف إلى رقمنة كاملة لنشاط الإنسان وتحركاته، بحيث يُصبح لكل شخص هوية رقمية خاصة به، وحتى الآن لم تؤكد شركة مايكروسوفت سعيها الحصول على براءة اختراع لشريحة من هذا النوع، رغم نفيها رغبة "بيل غيتس" إطلاق زرع رقائق في البشر لهذه الغاية، لكن المؤكد أن لدى الشركة براءة اختراع لنظام العملة المشفرة باستخدام بيانات نشاط الجسم، cryptocurrency system using body activity data وهي المعنية بتتبع نشاط الجسم من خلال الأجهزة القابلة للارتداء كالساعات الذكية، والهواتف المحمولة. واعتبرت جامعات ومراكز أبحاث عالمية، الطرح المنسوب لـ"بيل غيتس" بلا دليل، ويفتقر إلى الموضوعية إلى حد السذاجة، ودافع شبكة "فيرست درافت" –شبكة معنية بمكافحة التضليل عبر الإنترنت- عن بيل غيتس، داعية إلى عدم تثبيط جهود التوصل إلى لقاحات عبر منظمات إنسانية كمؤسسة "بيل غيتس" غير الربحية التي تعمل منذ عام 2000 على العديد من المشاريع الخيرية، ومكافحة الأمراض والأوبئة.
منذ تفشي كورونا بصورة موسعة مطلع العام 2020، انتشرت على نطاق واسع نظريات الذعر، فبخلاف ما أثير حول "شريحة غيتس"، انتشرت كذلك نظرية تخليق الفيروس، كسلاح بيولوجي يُقصد به أن يكون عملًا من أعمال الحرب الطبية، أو وسيلة للسيطرة على سكان العالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، انتشرت أبحاث مجهولة المصدر
تربط شعار معهد ووهان لعلم الفيروسات مع شركة Umbrella، وهي وكالة خيالية لديها امتياز لعبة الفيديو "Resident Evil" التي تحفز على وقوع كارثة الزومبي. وفي حين أن العلماء لا يتفقون حتى الآن على الأصل الدقيق للفيروس، ويتفق الخبراء على أن السلالة لم
يتم تعديلها وراثيًا لإصابة البشر عمدًا، مازال بعض الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة الصينية هندست سلالة السارس لمهاجمة الولايات المتحدة. كما كان من أبرز النظريات الشائعة من دون دليل يُذكر، ما روّج له البعض بأن أبراج 5G، التي تنشئ اتصالات انترنت فائق السرعة، هي المسؤولة عن تفشي الوباء الفيروسي، استنادًا إلى أن الموجات الصغيرة المنبعثة من الأبراج تجعل الأجسام البشرية أكثر عُرضة للفيروس، أو حتى تسبب المرض على الفور، حيث يعتقد البعض أن البنية التحتية للهواتف المحمولة تسبب ظروفًا صحية منفصلة. وانتصارًا لهذه النظرية، غير المستندة إلى أدلة علمية، رُصد في المملكة المتحدة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، أكثر من 80 حالة،لتخريب أو محاولة حرق أبراج الخلايا الجديدة، تجنبًا لإصابتهم بالفيروس. الممثل جون كوزاك، نجم هوليوود، قفز على نظرية المؤامرة، وبادر بنفي تصريحات نُسبت إليه بشأن علاقة أبراج الإنترنت بالفيروس، ودعا متابعيه إلى عدم تصديق الشائعات، وعدم ربط الوباء بالصينيين. كان لأصحاب نظرية المؤامرة نصيب من تقاسم التأويلات مع أصحاب نظرية "الدولة العميقة"، حيث اعتقد هؤلاء أن ترتيبات تجري بشأن تأسيس نظام عالمي جديد، ينهي عصر سيطرة القوى التقليدية في العالم، وإعادة تشكل النظام السياسي والاقتصادي العالمي، كما وقف أنصار هذه النظرية خلف حملات إلكترونية موسعة مثل FilmYourHospital# التي اعتبرت في بدايات تفشي الفيروس أن مجرد وجود غرف انتظار أو مواقف سيارات فارغة بأحد المستشفيات، دليل على أن فيروس كورونا خدعة كبرى ومعقدة، بغض النظر عن إعمال العقل بشأن صدور قرار بحظر الزوار حفاظًا على صحتهم وبالتالي هناك تفسير منطقي لوجود مستشفيات فارغة. لكن أصحاب النظريات السابقة، قد يكونوا أنفسهم قد أُثيرت حفيظتهم أمام نظرية أطلقها البعض بشأن الادعاءات التي انتشرت عبر الإنترنت، بوجود علاقة بين الإغلاق بسبب تفشي الفيروس، وتهيئة الأجواء لتجميع عبدة الشيطان، وتقف منظمة QAnon اليمينية المتطرّفة خلف هذه الرواية.
يعود ظهور نظرية المؤامرة إلى ما يسمى"المتنورون الجدد" The Illuminati، في العام 1776، عندما تم الاعلان عن تأسيس حركتهم على يد الألماني آدم وايشوت
Adam Weishaupt الذي يوصف كأحد مؤسسي النظرية في العالم، حيث سعى إلى تأسيس نظام عالمي جديد New World Order، يفرق بين الطبقات الاجتماعية، مع السعي إلى تخفيض عدد سكان العالم. وفي القرن الماضي، وتحديدًا عام 1920 كان مصطلح نظرية المؤامرة قد أحدث دويًا في العالم حين ظهر على نطاق واسع حين أشارت بعض الصحف العالمية إلى وجود "حكومة العالم الخفية" التي تدير العالم، وتتحكم في جميع الأحداث السياسية والاقتصادية، التي يمر بها، وكذلك الحروب واغتيال القادة والزعماء، وتفشي الأمراض والأوبئة، واستخدم الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت (1858-1919) المصطلح ذاته، حين حذّر من هيمنة شبكات مالية على سياسات حكومة بلاده، كما اغتيل اثنان من مؤلفي أوائل الكتب عن نظرية المؤامرة، وهما الكاتب الأسكتلندي سبيريدوفيتش، صاحب كتاب "حكومة العالم الخفية "الذي قٌتل بأحد الفنادق الأمريكية، ووليام غاي صاحب كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج" الذي عُثر عليه مقتولًا عام 1958، بعدما عٌرف بأحد منظري نظرية "الأيادي الخفية" التي تدير العالم وتتحكم في حكوماته. ويعتمد أصحاب هذه النظرية على أن العالم محكوم بقبضة جديدة من قوة خفية، وأن المصادفة في هذا العالم أبعد من الخيال، ولا شيء في الحقيقة كما يظهر عليه، وأن كل عمل يجري يتم بشكل منظم سواء كان علنيًا أو سريًا.
ورغم الحداثة العالمية، وما وصل إليه الكون البشري من تكنولوجيا نقلته إلى كواكب أخرى، إلا أن هذا الصراع بين أصحاب نظريتي المؤامرة والواقع ما زال على أشده، فهل يصل أحد الفريقين إلى خط النهاية أولًا؟!