يقولون على سبيل المزاح، إن أغضبك صديقك قبل شهر رمضان فما عليك إلا أن تعلن رقم هاتفه بأي صورة، وتكتب بجواره "عاملة منزلية تبحث عن عمل"، عندئذ ثق بأنك قد انتزعت حقك بالقوة، وأنك ربما تفقد صداقته للأبد.. هن من ضروريات الشهر المبارك ولا غنى عنهن، بحيث يصبح انتقال عاملة من عائلة إلى أخرى في تلك الفترة أشبه بعملية انتقال لاعب كرة بين ناديي ديربي في مانشيستر أو ليفربول، أم أنهن من مكملات الترف، ودواعي الإسراف؟! بين الحاجة لتقديم المساعدات المنزلية، والعناية بالأسر والأطفال والمسنين، يتزايد الإقدام على العمالة المنزلية بالسعودية من الجنسيات المختلفة، إلى أن أصبحت من أساسيات الحياة، وتجاوز عدد هذه العمالة أكثر من 3 ملايين شخص، بينهم ما يزيد على المليون من العاملات.
قفزات متتالية حققها حجم العمالة المنزلية المستقدمة في المملكة العربية السعودية، مع تزايد عدد السكان واحتياجاتهم للعمالة من (مديري منازل – سائقين – خدم وعمال تنظيف – طباخين ومقدمي طعام – حراس منازل – مزارعين وخياطين وممرضين وصحيين بالمنازل ومدرسين خصوصيين وغيرهم). وقفز عدد العمالة المنزلية في السعودية خلال عامين بنحو 1.26 مليون عامل، حيث بلغ العدد بنهاية الربع الأول من العام 2020 نحو 3.66 ملايين عامل، مقابل 2.4 مليون بنهاية الربع الأول من 2018، بارتفاع تزيد نسبته على الـ50%.
وفي الربع الأخير من عام 2020، وتحديداً في شهر أكتوبر، أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قراراً باستئناف العمل بعقود الاستقدام وبدء استقبال الطلبات عبر البوابة الإلكترونية "مساند"، وذلك بعد تعليق العمل بعقود التوسط في استقدام العمالة المنزلية الإلكترونية اعتبارا من 16 مارس من العام ذاته، بالتزامن مع تعليق رحلات الطيران الدولية من المملكة وإليها، ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وهي الفترة التي شهدت ارتفاعا في رواتب العمالة المنزلية بالنظر لتوقف استقدامها لفترة طويلة وعدم القدرة على الاستقدام من بعض الدول حتى الآن، فضلا عن عدم تمكن بعض العاملات اللاتي غادرن في إجازات سنوية من العودة للمملكة بسبب الإجراءات الاحترازية، ومنع استقبال القادمين من بعض الدول ذات الخطورة العالية.
على الرغم من أنه ليس هناك حد أدنى لرواتب العمالة المنزلية، فإنها تختلف باختلاف جنسية العامل المنزلي المستقدم، حيث أقرت بعض الدول المرسله حدا أدنى لرواتب مواطنيها المستقدمين إلى السعوديه مثل الفلبين التي أقرت 1500 ريال كحد أدنى، أما إندونيسيا فكانت قد اشترطت وضع حد أدنى 1700 ريال، وتوقف الاستقدام منها لعدة سنوات تم خلالها إعادة هيكلة برامج تصدير العمالة المنزلية.
ووفق أحد مكاتب الاستقدام، فإن تكلفة الاستقدام للعمالة المنزلية من بنجلاديش تتراوح ما بين 8 و10 آلاف ريال، بينما يصل الراتب النظامي لها 800 ريال، وتبلغ تكلفة الاستقدام للعمالة من الهند نحو 22 ألف ريال، وراتبه النظامي 1300 ريال، أما العمالة من الفلبين فتبلغ تكلفة استقدامها بين 14 و18 ألف ريال، وراتبها 1500 ريال، وتبلغ تكلفة الاستقدام من سريلانكا نحو 22 ألف ريال، والراتب يصل إلى 1100 ريال، كما يبلغ راتب العمالة المنزلية من كينيا 1200 ريال.
أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، عام 2014، إحدى أهم مبادراتها المتمثلة في منصة مساند، وهي منصة إلكترونية شاملة لتجربة استقدام العمالة المنزلية بشكل متكامل، تهدف إلى تسهيل إجراءات استقدام العمالة المنزلية وزيادة مستوى حفظ حقوق جميع الأطراف عن طريق تعريف أصحاب العمل والعمالة المنزلية بحقوقهم وواجباتهم، سعياً منها للقضاء على السماسرة والمكاتب غير المرخصة.
وفق منصة مساند، فإن الجنسيات المسموح بها للاستقدام في مهنة العاملة المنزلية هي :
بينما تستحوذ الجنسية الفلبينية على المرتبة الأولى لطلبات الأسر السعودية.
ومنذ عام 2019، تم الإعلان عن العقد الإلكتروني الموحد، وذلك من خلال بوابة "مساند"، حيث أصبحت جميع أنواع التعاقد تتم إلكترونياً من خلال البوابة، ولا يعتد بعقود التوسط الورقية التقليدية، وهو ما جاء في إطار مساعي تطوير قطاع الاستقدام، ولإيضاح العلاقة التعاقدية بين جميع الأطراف من خلال عقد عملية تعاقدية كاملة، ووفق المنصة الإلكترونية فإن هناك أكثر من 1000 مكتب وشركة مسجلة يمكنها القيام بهذه المهام.
وفي فبراير 2021، تصدرت المملكة العربية السعودية تقرير منظمة العمل الدولية عن الممارسات الأخلاقية العادلة للعمل، متمثلة في منصة "مساند"، وذلك لدورها الريادي في حفظ حقوق العمالة المنزلية وتحسين الخدمات المقدمة لهم من خلال توظيف التقنية بما يسهم في خلق سوق عمل مرنة وشفافة وجاذبة.
الأمر مختلف في شهر رمضان، فمع زيادة الطلب على العمالة المنزلية للمساعدة في أعمال المنزل والطهي في رمضان وقبل حلول العيد، وارتفاع أسعارها استنادا لنظرية محدودية العرض وزيادة الطلب، تتصاعد ظاهرة هروب العاملات من الأسر المستقدمة، سعياً لرواتب أعلى، بينما تدفع حاجة الأسر، ومحدودية العدد المسموح لها من العاملات، إلى اللجوء للعمالة المخالفة (سواء من لم يتم التجديد لها أو التي تم الإبلاغ بهروبها)، والتي تصل أسعارها إلى أرقام فلكية، تحت سطوة سماسرة الخادمات، حيث تظهر السوق السوداء المحلية لتشغيل العمالة الهاربة بما يخالف نظام الإقامة والعمل.
وفي عام 2018، اشترطت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، حداً أعلى للتأشيرات الرجالية والنسائية لاستقدام العمالة المنزلية إلى السعودية، وذلك بعد أن أصدرت ضوابط لمنح تأشيرات استقدام عمال الخدمة المنزلية، ومن في حكمهم، للأفراد، وبحسب الضوابط، فإن الحد الأعلى للتأشيرات الرجالية للمواطن السعودي المتزوج 3 تأشيرات، منها "عامل منزلي" واحد.
أما عروض شهر رمضان، فقد أصبحت لا تقتصر على المنتجات الغذائية أو السلع المنزلية فقط، فقد تجد عروضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعمالة المنزلية، تقدم العامل لفترات مختلفة (شهر – 3 أشهر – سنة)، بأسعار مختلفة.
استئجار العاملات، هو حل آخر قد تلجأ إليه بعض الأسر كخيار مؤقت، حيث تتراوح الأسعار ما بين 4000 ريال و7000 ريال في الشهر، كما يمكن استئجار عاملات بالأجر اليومي (وفق عدد الساعات)، حيث يمكن أن يصل سعر الساعة الواحدة للعاملة 90 ريالاً تقريباً ما بين الفترة الصباحية والمسائية.
ووفق نشرة العمل للربع الأول من عام 2019، فإن السجلات الإدارية تشير إلى أن نسبة السائقين في المنازل تأتي في المرتبة الأولى ضمن العمالة المنزلية بنسبة 53.6%، يليها الخدم وعمال التنظيف بنسبة 44%، حيث يمثل السائقون والخدم ما نسبته 97.6% من إجمال العمالة المنزلية، فيما أكدت النشرة الصادرة عن هيئة الإحصاء أن متوسط الأجر الشهري للعمالة المنزلية بشكل عام يبلغ 1,933 ريال سعودي في الفترة ذاتها.
وبالنظر إلى فئات العمالة المنزلية (الخدم وعمال التنظيف + الطباخين ومقدمي الطعام)، فقد بلغ عددهم في الربع الأول من عام 2019 (1,368,820 + 30,627) = 1,399,492، ما يعني أن حجم إنفاق الأسر السعودية في تلك الفترة على هاتين الفئتين يبلغ نحو 2,700 مليار (1,399,492 * 1,933) أي ما يقرب من 3 مليارات ريال خلال الأشهر الثلاث الأولى من العام ذاته.
أما في الربع الثالث من العام ذاته، فقد بلغ عدد العمالة المنزلية من (الخدم وعمال التنظيف والطباخين ومقدمي الطعام) 1,450,600، بينما بلغ متوسط الأجر الشهري 1,982 ريال، ما يعني أن جملة الإنفاق في تلك الفترة قد بلغت 2,875 مليار في الأشهر الثلاثة من 2019 أيضاً.
مكاتب العمالة أصبحت عبئاً آخر على الأسر السعودية، إذ يشترط معظمها مدة محددة كحد أدنى لاستئجار العاملة المنزلية، وهو الأمر الذي لا يقتصر فقط على شهر رمضان، وإنما يمتد على مدار العام، مع قيام معظم الشركات بإلغاء باقات الشهر الواحد، والاكتفاء بتأجير العاملات بالساعة أو باقات لا تقل مدة الباقة عن 3 أشهر إلى عام، فضلاً عن اشتراط دفع أجور العاملة "كاش" لعام كامل. أما الاستقدام، فإن العقد الخاص به يتضمن مدتين، الأولى هي فترة التجربة، والثانية فترة الاستقدام، حين يجوز أن يتفق الطرفان على وضع عامل الخدمة المنزلية تحت التجربة لمدة لا تزيد على (تسعين) يوماً، يكون لصاحب العمل خلالها أن يتحقق من الكفاءة المهنية لعامل الخدمة المنزلية، وسلامة سلوكه الشخصي، وفق لائحة العمل المنزلية، وهي الفترة التي يمكن لصاحب العمل فيها إنهاء العقد بإرادته المنفردة خلال مدة التجربة دون أي مسؤولية عليه، إذا ثبت عدم كفاية عامل الخدمة المنزلية.