القيادة السعودية..
والقضية الفلسطينية

كيف ظلّ تحرير فلسطين في قمة
الأولويات التاريخية للمملكة؟

مبادرات ومساعدات.. دعم مادي ومعنوي..
حشد دولي وإقليمي.. موقف ثابت
لم يتغير منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- بشأن القضية الفلسطينية، التي اعتبرتها السعودية قضيتها الأولى، فدافعت عنها منذ البداية، حين رفضت تقسيم فلسطين واحتلالها، مرورًا بإعلان مبادراتها لتحرير الأراضي الفلسطينية، ومواجهة القوى العالمية، بل والمشاركة العسكرية في سبيل تحقيق هذا الهدف.

الملك عبدالعزيز..
مؤسس الثوابت

«أبناء فلسطين أبنائي.. فلا تدخروا جهدًا في مساعدتهم وتحرير أراضيهم» كلمات وجهها الملك عبدالعزيز، في وداع أبناء السعودية المتطوعين في الحرب العربية عقب الإعلان عن خطة توطين اليهود في فلسطين، ولم يكن ذلك سوى مجرد بداية في تاريخ ملحمة طويلة من الدعم السعودي الذي وضع أساسه الملك المؤسس، وسار على نهجه مَن حمل الراية بعده من الملوك والقادة، حتى ظلت القضية من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة، وعلامة في جميع خطاباتها الرسمية ومواقفها الدبلوماسية الإقليمية والدولية.

وقد سطر التاريخ مواقف الملك عبدالعزيز إزاء القضية الفلسطينية، باعتبارها الأكثر حسمًا وقوة بين مواقف قادة الدول حينها، حيث تجسدت أبرز تلك المواقف في لقائه مع الرئيس الأمريكي آنذاك «روزفلت» حول القضية الفلسطينية، رافضًا موقف الولايات المتحدة من قيام إسرائيل وفق وعد بلفور، مشددًا على أن «اليهود اللاجئين الذين طُردوا من ديارهم في أوروبا، يجب أن يعودوا للعيش في الأراضي التي طردوا منها»، كما رصدت الوثائق التاريخية تصريحًا للملك عبدالعزيز بمجلة «لايف» الأمريكية الأكثر انتشارًا آنذاك، والتي وصفته بأنه «أحد أقوى الرجال في العالم»، قال فيه «إن الاحتلال الصهيوني ظُلم للعرب والمسلمين.. وليس لإسرائيل حق في دعواهم بشأن فلسطين».

لم تكن تلك هي البداية، فبالعودة إلى عام 1929م، كان الملك المؤسس في مقدمة الرافضين لاستهداف متطرفين للمصلين المسلمين بالقنابل، وفي عام 1936م، وجّه بتقديم مساعدات عاجلة لثورة الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطاني، كما كان أشد الرافضين لخطة توطين اليهود بالأراضي الفلسطينية عام 1945م، وأمد المقاومة بالمال والمتطوعين السعوديين، كما أوفد ابنه الأمير سعود -ولي العهد آنذاك- إلى فلسطين في مهمة دعم وتأييد، حيث زار مدن عديدة من بينها يافا، ونابلس، وبيت لحم، ورام الله، والقدس.

الملك عبدالعزيز أوفد ابنه ولي العهد الأمير سعود لزيارة القدس

واستكمالًا للمواقف المؤيدة، افتتحت السعودية عام 1941م، قنصلية عامة في القدس الشريف، وعينت الشيخ يوسف الفوزان قنصلًا عامًا لها، للوقوف عن قرب على احتياجات الشعب الفلسطيني.

صورة من أرشيف صحيفة أم القرى توثق تأسيس قنصلية عامة للمملكة بفلسطين

ولم تنتهِ مواقف الملك عبدالعزيز عند هذا الحد، حيث تذكر الوقائع التاريخية أن السفير الأمريكي بالمملكة «وليام إدي» رفع برقية إلى حكومته مطلع 1945م ذكر فيها أن الملك عبد العزيز قال له «شرف لي أن أموت شهيدًا في ميدان الجهاد دفاعًا عن فلسطين»، وكشفت الوثائق البريطانية أن الملك المؤسس رفض مساعدة بريطانية للمملكة قدرها 20 مليون جنيه إسترليني، مقابل تأييد هجرة اليهود إلى فلسطين، وقال كلمته الشهيرة للمندوب البريطاني: «عبدالعزيز لا يبيع حفنة واحدة من تراب فلسطين بكل مال الدنيا».

وبشأن القضية ذاتها، وجه الملك عبدالعزيز رسالة مطولة إلى «روزفلت»، في العام ذاته، أكد فيها أن حق العرب في فلسطين لا يحتاج إلى اعترافات أو بيانات، وأن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ وكانوا سادتها والأكثرية الساحقة فيها في كل العصور، ولهم حقوق ثابتة أهمها حق الاستيطان منذ العام 350 قبل الميلاد.

رسالة الملك عبدالعزيز لـ«روزفلت» كما نشرها الأمير بندر بن سلطان
1948
أول حروب الجيش السعودي

تُعد حرب فلسطين 1948م أولى الحروب التي شارك فيها الجيش السعودي بعد تأسيس الدولة السعودية الثالثة، حيث أرسل الملك المؤسس الجيش العربي السعودي وقوات عسكرية وكميات كبيرة من الذخائر والبنادق إلى الثوار في فلسطين، وتوجهت الدفعة الأولى بالطائرات، فيما أرسلت بقية السرايا بالبواخر، وبلغ عدد ضباط وأفراد الفرقة قرابة ثلاثة آلاف ومائتي ضابط وجندي. وفي هذا الصدد، تشير الذاكرة التاريخية إلى بسالة القوات السعودية في المعارك التي خاضتها إلى جانب الجيوش العربية في الحروب التي كانت القضية الفلسطينة هي شرارتها الأولى والأخيرة .

جنود سعوديون خلال المشاركة في حرب فلسطين 1948م

في هذا الشأن، نشر سمو الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، وسفير المملكة لدى واشنطن لقرابة ربع قرن، وثيقة تضم بعضًا من أسماء أبناء السعودية الذين استشهدوا في حرب 1948، ما بين جنود ومتطوعين.



وتضمنت وثائق أخرى دور المواطن السعودي في الاستجابة العالية والفورية والمشاركة الشعبية في جمع التبرعات لأهالي فلسطين، وكذلك الشهداء السعوديين الذين ضحوا بدمائهم من أجل تحرير التراب العربي.

قائمة بالتبرعات لأسر شهداء فلسطين

مواقف موثقة وتاريخية، لا تنتظر شهادة القريب أو البعيد، ولا حتى من مُدت لهم أيادي العون ثم انقلبوا وتنكروا.. مواقف لم ولن تٌدخلها السعودية في خطوط إنتاج الدعاية الزائفة، فما قدّمه السعوديون من دماء وأموال ومواقف دبلوماسية، أكبر من المزايدة به، ولا وضعه في مقارنة مع من يزايدون ببضاعة خائبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُخبرنا التاريخ أنه بينما كانت المملكة في الصفوف الأولى للدفاع عن القضية الفلسطينية، كانت تركيا التي تتشدق بنصرة فلسطين، تتاجر بدماء شهداء العرب





حيث تبادلت تركيا السفراء مع إسرائيل عام 1952م، ووقعت معها اتفاقًا سريًا يتضمن تعاونًا عسكريًا واستخباراتيًا ودبلوماسيًا، موجهًا ضد العرب، وهو ما أوضحته سجلات مجلس الأمن لاحقًا، حيث وثقت امتناع تركيا عن إدانة التوسع العسكري الإسرائيلي في الأراضي العربية عام 1967م، وامتدت تلك المفارقات حتى يومنا هذا.

تطور العلاقات بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي

بدأ الملك سعود بن عبدالعزيز حملته لمناصرة القضية الفلسطينية مبكرًا حينما كان وليًا للعهد، حيث تعهد بإنقاذ فلسطين بالأموال والأنفس، كما يعد أول من استخدم سلاح النفط للضغط لصالح القضية الفلسطينية، ففي عام 1956م، كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي سارعت بعرض مساعداتها، بعد العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة -والذي مثلت القضة الفلسطينية شرارته أيضًا-
وفرضت حظرًا بتروليًا ومقاطعة سياسية تجاه دول العدوان المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي ضد القضية الفلسطينية، وقامت المملكة بقطع النفط عن جميع السفن المتجهة بحمولتها الى تلك الدول، فضلًا عن قطع العلاقات معها. وبينما استخدمت المملكة سلاح النفط في وجه الاحتلال، كان أمراؤها على أرض المعركة، حيث شارك الملك سلمان بن عبدالعزيز و 3 من أشقائه في حرب 1956م، كما أرسلت المملكة أمراء ووزراء سعوديين لتفقد القوات المصرية على جبهة القتال وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصري في حرب أكتوبر 1973م.

مشاركة ودعم المملكة في حربي 1956م، و1973م

وضع الملك فيصل بن عبدالعزيز القضية الفلسطينية في مقدمة شواغله، منذ أن كان وزيرًا للخارجية، في عمر 25 عامًا، ولمدة 11 عامًا من حكمه، عارض فيها مشروع التقسيم، وأيّد الحق الفلسطيني في احتفاظ الشعب الفلسطيني بأرضه كاملة. 
وفي أعقاب محاولة الاحتلال حرق المسجد الاقصى عام 1969م، بادر الملك فيصل بالدعوة لعقد مؤتمر قمة إسلامي، أسفر عن تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي كانت ولا تزال تلعب دورًا حيويًا في دعم القضية الفلسطينية، كما تعد الكيان الأول الذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وحثت دول العالم على ذلك.



مواقف الملك فيصل أبرزتها وثائق أمريكية كشفتها «ويكيليكس» مؤخرًا، تشير إلى أنه خلال استقباله وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كسنجر، رفض «فيصل» كل محاولات أمريكا إثنائه عن موقفه تجاه قطع إمدادات النفط، ووثق التاريخ قول «كيسنجر» للملك: «إن طائرتي تقف هامدةً في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعدٌ للدفع بالأسعار الحرة؟!»

فرد الملك فيصل بكلمة تاريخية يتذكرها الفلسطينيون قبل العرب: «وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت»، في إشارة إلى ثوابت السعودية تجاه تحرير الأراضي الفلسطينية.
كما قال لكسنجر: «نحن كنا ولا نزال بدو، وكنا نعيش في الخيام وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه، أما أنتم الغربيون فهل تستطيعون أن تعيشوا بدون النفط؟!».

وثائق ويكيليكس تكشف مواقف الملك فيصل من القضية الفلسطينية

بالإضافة لمواقفه السياسية، واجه الملك فيصل دول العالم بالحق الشرعي للفلسطينيين، كدعوته للرئيس الفرنسي شارل ديجول برفض الاحتلال الإسرائيلي تطابقًا مع موقفه الشخصي من تحرير فرنسا، حيث كان «ديجول» من أبرز الداعين لتحرير بلاده ومواجهة الاحتلال بها.

الملك فيصل إلى جوار شارل ديجول متحدثًا عن القضية الفلسطينية

وتبنى الملك فيصل حملة لحشد الدعم الدولي لمناهضة الاحتلال، ودعم تحرير الأراضي المحتلة، وحماية جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل، واعتبار القضية الفلسطينية قضية إنسانية تخص العالم أجمع وليس الدول العربية فقط..

الملك فيصل: أبناء المملكة دافعوا عن أرض إخوانهم الفلسطينيين

بدأت رحلة تأييد الملك خالد للقضية الفلسطينية حينما رافق أخيه الملك فيصل إلى لندن عام 1945م لحضور مؤتمر فلسطين، الذي شهد دعمًا كبيرًا من جانب المملكة لتحرير الأراضي الفلسطينية وانسحاب إسرائيل منها. وكانت الرؤية الأساسية للملك خالد، أن السلام الذي يمكن تحقيقه واستمراره في الشرق الأوسط إنما هو السلام العادل، القائم على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشريف، والاعتراف للشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة الثابتة في أرضه ووطنه بما في ذلك حقه في العودة إلى دياره وحقه في تقرير مصيره.



وبالرغم من وفاء المملكة بالتزاماتها الشهرية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية، فإنه عندما طلب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الدعم من الملك خالد، أمر بصرف 5 ملايين دولار من حسابه الخاص.


على درب والده وإخوانه، تبنى الملك فهد –رحمه الله- سياسة مناصرة الحق الفلسطيني، ودعا إلى مجابهة عربية إسلامية واحدة شاملة وكاملة تتضمن جميع الإمكانات والطاقات الروحية والثقافية والسياسية والمادية والعسكرية لدعم الشعب الفلسطيني.


ويعد مشروع «الملك فهد للسلام» علامة بارزة لدعم المملكة للقضية الفلسطينية، وهي المبادرة التي أعلن عنها حين كان وليًا للعهد، في مؤتمر القمة العربية الـ 12 في «فاس» عام 1981م، والتي جرى تبنيها كخطة للسلام العربي في «قمة فاس» لعام 1982م، وتتضمن المبادرة -ضمن بنودها- دعوة إسرائيل للانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في العام 1967م بما فيها القدس العربية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.



ومن الجدير بالذكر، أن مقررات «قمة فاس» هي التي مهّدت عمليًا لمؤتمر مدريد، الذي مهّد بدوره لإحياء عملية السلام واتفاقيات أوسلو التي دفعت إلى تحولات جوهرية في القضية، من بينها تأسيس السلطة الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة كسلطة شرعية تمثل دولة فلسطين تحت الاحتلال.

الملك فهد والرئيس الأمريكي ريجان يبحثان سبل تنفيذ مقررات قمة فاس

ووفق الأمير بندر بن سلطان، فإن الملك فهد قد حصل على خطاب من الرئيس الأمريكي رونالد ريجان يتضمن اعتراف أمريكا بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعم عملية السلام للوصول إلى حل يضمن للفسطينيين حقوقهم المشروعة، إلا أن تلك الفرصة دخلت ضمن الفرص الضائعة لحل القضية الفلسطينية بعد أن رفضها «ياسر عرفات».
دعم الملك فهد للقضية الفلسطينية لم يقتصر على الجانب السياسي، بل كان أول من تبرع لمنظمة اليونسكو لإنقاذ بعض المساجد في القدس من التصدع والتلف، كما استمر الدعم المادي بناءً على قرارات القمة العربية ببغداد عام 1978م بتقديم ميزانية سنوية لمنظمة التحرير الفلسطينية.



كما كانت المملكة صاحبة المبادرة، خلال مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 2000، باقتراح إنشاء صندوقين باسم «الأقصى» و«انتفاضة القدس»، وبدأت تبرعها السخي له بمبلـغ 200 مليون دولار.


خلال عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بدأ تصدي الدبلوماسية السعودية لأحد أبرز أسباب تدهور القضية الفلسطينية، حين انقسم الفلسطينيون وتناحروا وتحاربوا وقسموا ما تبقى من أرضهم، وعرض بعضهم «سلاح المقاومة» في خدمة إيران وتركيا وتيارات الإسلام السياسي النفعية، فأفقدوا القضية عدالتها ورونقها ورصانتها، وتراجع تعاطف العالم معها قبل العرب والمسلمين..

حينها كانت الدبلوماسية السعودية ذات الوجه الواحد، تتفاعل مع ازدواجية إنهاء الاحتلال وإنهاء الانقسام، مرحلةٌ استبقتها المملكة في العام 2002م خلال القمة العربية ببيروت، حين قدّم الملك عبدالله -ولي العهد آنذاك- مبادرة السلام التاريخية في الشرق الأوسط، تضمنت إعلان دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل السلام مع إسرائيل.
وفضلًا عن مواقف المملكة السياسية المعهودة تجاه القضية الفلسطينية، تبنى الملك عبدالله جهودًا حثيثة لرأب الصدع وتوحيد الصف بين الفصائل الفلسطينية، حيث اعتبر أأن«فرقتهم أخطر على قضيتهم من عدوان إسرائيل»، كما هدد الكيان الإسرائيلي، في كلمة تاريخية له، بأن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحًا في كل وقت، وأن مبادرة السلام العربية المطروحة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.


وبالفعل، استضافت مكة المكرمة، في فبراير عام 2007م، اجتماعات لحركتي فتح وحماس لبحث أمور الخلاف بينهم بكل حيادية ودون تدخل من أي طرف بهدف الوصول إلى حلول عاجلة لما يجري على الساحة الفلسطينية، ووقع الجانبان اتفاق لوقف أعمال الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.



اتفاق مكة المكرمة كان من المقرر أن يكتب نهاية الانقسام -الذي يتخذه الاحتلال ذريعة لتعطيل عملية السلام- لولا انسحاب «حماس» بضغوطٍ من إيران.


بدأ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- بمناصرة القضية الفلسطينية عندمًا كان أميرًا لمنطقة الرياض، حيث ترأس اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة يونيو 1967م، كما شهد عهده دعمًا ملحوظًا ومستمرًا للقضية الفلسطينية ممتبنيًا«مبادرة السلام العربية» كحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وتمكنت حملة التبرعات الشعبية التي قادها الملك سلمان عقب نكسة 1967م من جمع أكثر من 16 مليون ريال، كما كان من أهم مؤيدي الفتوى الشرعية التي صدرت في العام 1968م بجواز دفع الزكاة إلى اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، وفي 1969م أطلق الملك سلمان مبادرة دعا فيها السعوديين للاكتتاب لصالح رعاية أسر مجاهدي وشهداء

فلسطين بنسبة 1% من رواتبهم، كما أطلق –أيده الله- مبادرة بعنوان «سجل الشرف» والتي استهدفت التزام الأفراد والتجار والشركات والمؤسسات بتقديم تبرعات شهرية وسنوية منتظمة لحساب اللجنة الشعبية لمساعدات فلسطين، التي بلغت الحصيلة لديها في العام 1988م فقط أكثر من 160 مليون ريال، وتقديرًا لتلك الجهود المبذولة من جانب الملك سلمان، لدعم القضية الفلسطينية، قلّده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وسامَ نجمة القدس الرفيع، حينها كان ردّ الملك سلمان: «إن السعودية لم تتخذ يومًا من الأيام موقفًا مؤيدًا وداعمًا للقضية الفلسطينية من أجل أن يأتيها الشكر والتثمين من أي كان على هذه المواقف المبدئية؛ لأن هذه القضية بالنسبة لنا ليست مجرد قضية دولية عابرة، وإنما هي بالفعل قضيتها الأساسية والمركزية».



أما عن المواقف السياسية للملك سلمان تجاه القضية الفلسطينية، فحدث ولا حرج، حيث كان في مقدمة من رتبوا البيت الداخلي لاتخاذ قرار سياسي بافتتاح سفارة لفلسطين في الرياض في العالم 1982م، وافتتحها بنفسه في مراسم شهدت اهتمامًا إعلاميًا برفع العلم الفلسطيني في العاصمة السعودية.


توالى دعم الملك سلمان للقضية الفسطينية، وفي أول قمة عربية بعد مبايعته عام 2015م، أكد أن القضية الفلسطينية من ثوابت ومرتكزات سياسات المملكة، داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته وحماية قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية عام 2002م.


وعلى خلفية العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى في عام 2015م، دعا الملك سلمان الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتهم تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، وفي العام ذاته، دعمت المملكة الأونروا بـ2 مليون دولار، كما وجهت 60 مليون دولار لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية.
وفي عام 2017م، أكد الملك سلمان أن أي إعلان أمريكي بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية، سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر بالمنطقة، وذلك على خلفية إعلان «ترمب» القدس عاصمة للاحتلال بدلًا من تل أبيب.

الملك سلمان: القضية الفلسطينية قضية المملكة الأولى
قمة الظهران..
القدس خط أحمر

ليس أدل على أن القضية الفلسطينية تحتل أولويات المملكة من إطلاق السعودية اسم «قمة القدس» على القمة العربية التي ترأستها في دورتها العادية التاسعة والعشرين، بمدينة الظهران عام 2018م، والتي أعلن فيها خادم الحرمين الشريفين عن تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ (150) مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و(50) مليون دولار للأونروا.



وفي العام ذاته، بذلت السعودية جهودًا ضمن اللجنة العربية المعنية بالتصدي للترشيح الإسرائيلي لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2019-2020، وتوحيد الجهود الدبلوماسية العربية لمواجهة التمدد الإسرائيلي، من خلال تعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة بين الدول العربية والتجمعات الإقليمية والدولية.
كما تصدرت «القضية الفلسطينية» اهتمامات خادم الحرمين الشريفين خلال جولاته الخارجية، وكذلك في المحافل الإقليمية والدولية، التي أكد خلالها على تقديم الدعم والتأييد اللازم لنصرة القضية الفلسطينية وصولًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 م، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.



ودعت المملكة في كلمتها أمام مجلس الأمن عام 2018م، إلى عدم الاعتراف بأي تغييرات يجريها الاحتلال الإسرائيلي على خطوط الرابع من يونيو 1967م، كما طالبت بإلزام إسرائيل بالانصياع للقرارات والقوانين الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين.
ولا يجب أن يسقط من الذاكرة التحركات الدولية التي قامت بها المملكة لإدانة ورفض بناء الجدار الإسرائيلي العازل، الذي يضم أراضٍ فلسطينية واسعة، حيث تقدمت بمذكرة احتجاج لمحكمة العدل الدولية في لاهاي تدين بناء الجدار، وهو ما قامت المحكمة على أثره بالحكم بعدم شرعيته وطالبت إسرائيل بإزالته.






وفي خضم الأحداث الأخيرة للعدوان الإسرائيلي على فلسطين، دعت المملكة إلى اجتماع طارئ بمنظمة التعاون الإسلامي، أدان الاعتداءات الوحشية التي تشنها إسرائيل، وطالب بضرورة الوقف التام والفوري لجميع الاعتداءات على المدنيين.
وفي هذا الإطار، أجرى الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 22 مايو 2021، اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أعرب فيه عن إدانة المملكة وشجبها للاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية فى مدينة القدس، والعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وما أسفر عنه من سقوط للضحايا الأبرياء والجرحى، مؤكدًا أن المملكة ستواصل جهودها على كافة الأصعدة لوقف الإجراءات والاعتداءات الإسرائيلية على القدس من خلال التواصل مع الأطراف الفاعلة لممارسة الضغوط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي.