الأدويـــــــــــــــــــــــــة المغشوشة السمـــــــــــــــــــــــــوم القاتلة

من أين تأتي أدويتي؟ وهل هي آمنة؟

تواصل دول العالم جهودها لاتخاذ أقوى التدابير الاحترازية والقرارات التنفيذية لمواجهة شبح تجارة الأدوية المغشوشة، التي تلقى رواجًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، لاسيما مع انتشار الأمراض واسعة الانتشار والأوبئة العالمية، التي لا تقتصر على فيروس "كورونا" فقط، بل تضرب أنواع عدة عددًا من الدول النائية خصوصًا في أفريقيا وآسيا. كان من الممكن أن يكون الدواء الذي تناولته بالأمس أو الأسبوع الفائت، مغشوشًا أو فاقد الفاعلية، إذا كنت في دولة أخرى، لكن لمّا أصبحت الأدوية المغشوشة تمثل ظاهرة عالمية وتجارة عابرة للحدود، حصّنت السعودية مواطنيها وسوقها الدوائية من انتشار الأدوية غير المرخّصة، أو المغشوشة، أو منتهية الصلاحية، وأصدرت تشريعات صارمة وعقوبات حادة ضد المخالفين والمتجاوزين.

يقدّر حجم سوق الأدوية في السعودية بنحو 30 مليار ريال، ويبلغ حجم مبيعات سوق الأدوية للمصانع المحلية نحو 2.8 مليار ريال، وذلك وفقا لقاعدة بيانات IMS، وخلال العام 2020 ارتفعت مبيعات الدواء داخل السعودية من خلال شركات ومصانع القطاع الخاص بنسبه 4٪، ولدى السوق السعودية 442 شركةً و35 مصنعًا وطنيًا للدواء.

ورغم اضطراب أسواق الأدوية الناجم عن الإغلاق في العالم خلال أزمة كورونا، إلا أن قرار منع التصدير الجزئي للأدوية والمستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية، ساهم في تأمين السوق السعودية خلال فترة الإغلاق، لكنه في نفس الوقت أثار الشغف حول حجم الصادرات السعودية من الدواء.

البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للغذاء والدواء، تشير إلى أن السعودية صدّرت خلال العام الماضي، نحو 88 مليون عبوة أدوية إلى 34 دولة في قارات العالم المختلفة، لكن هذا لا يعني أن هناك اكتفاءً ذاتيًا من الأدوية، حيث أن الصادرات المشار إليها نوعية وتتعلق بقوائم لدى المملكة فائض منها، لكن بصورة عامة يغطي الإنتاج الوطني من الأدوية نحو 20% من السوق المحلية، في حين تصل قيمة الاستيراد السنوي حوالي 17 مليار ريال سنويًا، لكن مع ما تشهده المملكة من ثورة صناعية للمنتجات الدوائية في إطار البرامج الوطنية عمومًا وبرنامج التحول الوطني خصوصُا، فمن المقرر رفع نسبة صناعة الدواء الوطنية في السوق إلى 40% بدلًا من 20% بما يعني زيادة حصة قطاع الصناعات الدوائية من الناتج المحلي غير النفطي من 0.98% إلى 1.97%.

صناعة الأدوية في العالم من المجالات التي تشهد توسعًا بصورة سريعة، حيث بلغت خلال العقدين الماضيين نموًا كبيرًا، وبلغ إجمالي عائدات الأدوية في جميع أنحاء العالم 1.25 تريليون دولار خلال العام 2019، بينما كان في 2001 حوالي 390 مليون دولار، وهو ما فتح الباب أمام رواج السوق السوداء، أو الاقتصاد الدوائي غير الرسمي بشتى الطرق التي سنعرضها لاحقًا.

وفقًا للتقارير الصادرة من المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، يموت أكثر من 1.2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم سنويًا بسبب الأدوية المغشوشة أو غير الفعّالة أو المقلّدة، التي تعتبر تجارة مربحة للغاية، ما يجعلها أكثر جاذبية للشبكات الإجرامية.

ورغم أن قيمة الأدوية المغشوشة لا تصل نسبتها إلى مستويات عليا مقارنة بحجم السوق الدوائية في العالم، إلا أن تكلفتها لا يمكن الاستهانة بها حيث تصل إلى 200 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل رُبع حجم تجارة الأدوية في العالم، ما بين أدوية مقلّدة، وأدوية مغشوشة، وأدوية عديمة القيمة، وأدوية قليلة النسب، وذلك وفق تقديرات منظمة التجارة العالمية.

وانطلاقًا من هذه الخطورة العابرة للحدود، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا لها في العام 2017 طالب بوضع حد للملاحقة القضائية الدولية لعصابات تهريب الأدوية المغشوشة ورفع مستوى الجريمة المتعلقة بالمنتجات الطبية المزوّرة، كما أكد التقرير أنه مع الإقرار بأن الدول لها سلطة الاختصاص القضائي فيما يجري على أراضيها، إلا أن نشاط الجناة عابر للحدود، كما أنه يستغلون الولاية القضائية والثغرات في قوانين بعض الدول لتجنب التوقيف والمقاضاة، لذلك فمن المهم وضع قواعد قضائية ممتدة تمكّن المحاكم الوطنية من اتخاذ الإجراءات التي من شأنها مجابهة هذه السلوكيات، كما تمارس ولايتها مثلا في مياهها الإقليمية، فإن من حقها ملاحقة الجناة خارج إقليمها أيضًا، وهو ما يستند إلى ما يسمى "المبدأ الإقليمي" الذي يعرّف بأنه حق الدول في ممارسة الولاية القضائية خارج الإقليم في عدد من الظروف باعتباره حقًا معترف به في القانون الدولي.

تٌعرّف منظمة الصحة العالمية الغش الدوائي بأنه مجرد العبث في مكونات وكميات ومقادير وتركيز المواد الدوائية الفعالة، أو أي أدوية يتم تصنيعها خارج منظومة التصنيع الدوائي الشرعية بغرض الغش بحيث تشبه الأدوية الأصلية، وقد يحتوي الدواء المغشوش على مواد فعالة بنسبة خاطئة تقل أو تزيد عن الجرعة العلاجية المضبوطة، أو مكونات غير صحيحة وغير فعالة كالنشا والطبشور، أو حتى مكونات ضارة وأحيانًا سامة.

وعلى هذا الأساس تضع منظمة الصحة العالمية، الأدوية المغشوشة المحتوية على مواد سامة بجوار الأدوية المقلّدة التي تحتوي على كميات أقل من المادة الفعالة أو بتركيز أقل من المصرّح به.

وتعتبر المكملات الغذائية مجهولة المصدر والمكونات الأكثر رواجًا من خلال شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بما يهدد صحة المستهلكين، وتشير تقارير لمجلات علمية عالمية إلى أن ما يزيد عن 50% من الأدوية المتداولة على الإنترنت مغشوشة، وبعضها يروج لها على أنها أدوية لعلاج قصور القلب والشرايين والفشل الكلوي والسرطان.

كما أقرت الأمم المتحدة في تقرير رسمي لها في العام 2017، تعريفًا للأدوية المغشوشة، والجرائم المرتبطة بها، وعدّت أي دواء بين القوائم الغش الدوائي إذا مرّ بأحد البنود التالية:

أن تكون المنتجات الطبية أقل من الجودة والأمان والفعالية المطلوبة، أو المرخص بها.

ألا يكون لدى المهنيين الصحيين والمستهلكين المعلومات اللازمة لتمكينهم من استخدامها المنتجات.

تصنيع المنتجات الطبية وتخزينها وتوزيعها بشكل غير مناسب للشروط التي تم الترخيص بها.

الترويج غير العادل والإعلان غير المتوازن الذي قد يؤدي إلى الاستخدام غير الرشيد.

وحددت الأمم المتحدة الجرائم التي تدخل في إطار صناعة وتجارة الدواء بصورة غير مشروعة، بما يحتم ملاحقة مرتكبيها، وهي:

صناعة منتج طبي مزور

الاتجار بالمنتجات الطبية المغشوشة

حيازة منتجات طبية مزورة يُقصد أو يُحتمل استخدامها في التصنيع أو وضعها في نظام التوزيع.

الاتجار بالمنتجات الطبية المغشوشة بالبيع الإلكتروني والبيع عن بعد

عدم الإبلاغ عن واقعة غش دوائي.

كما حددت المنظمة الدولية العوامل التي يمكن اعتبارها تزيد من ذنب الجاني، وبالتالي أوصت بتشديد العقوبات عليه وفق ما تقرره المحاكم الوطنية:

أي إصابة أو وفاة ناجمة عن منتج طبي مزيف.

أن يلحق ضررًا خطيرًا بالصحة العامة أو المجتمع أو الاقتصاد .

العدد الكبير أو الكمية الضخمة في المنتجات المغشوشة.

إذا كانت الجريمة تتعلق بالأدوية المنقذة للحياة

إذا كان الجاني قد ارتكب سابقًا جريمة مزيفة تتعلق بمنتج طبي

إذا كان الجاني قد حقق منفعة مالية ضخمة لحسابه أو لحساب شخص آخر.

إذا كانت الجريمة قد ارتُكبت كجزء من نشاط لجماعة إجرامية منظمة.

إذا كان الجاني مسؤولًا حكوميًا أو كان في منصب ثقة .

شددت النيابة العامة السعودية على أن جريمة الغش الصيدلاني أو الدوائي من الجرائم التي تخضع لعقوبات مشددة، حيث يحظر القانون تغيير محتوى أو هوية أو مصدر أي مستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الخداع، حتى وإن احتوى على المكونات نفسها.

وتنص المادة (34) من نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية والعشبية على أنه يعد مرتكبا للجريمة كل من:

غش أو شرع في غش أي مستحضر صيدلاني أو عشبي.

باع أو صرف أو حاز بقصد الإتجار مستحضرًا صيدلانيًا أو عشبيًا مغشوشًا أو فاسدًا أو منتهي الصلاحية أو غير مسجل.

أدخل إلى المملكة مستحضرًا صيدلانيًا أو عشبيًا غير مسجل، أو مغشوشًا، أو فاسدًا، أو منتهي الصلاحية، أو حاول إدخال أي من ذلك.

أدخل إلى المملكة عبوات أو أغلفة لمستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الغش أو حاول إدخال أي من ذلك.

صنع أو طبع أو حاز أو باع أو عرض عبوات أو أغلفة لمستحضر صيدلاني أو عشبي بقصد الغش.

كما نصت عليها المادة (35) من النظام ذاته على أن العقوبات المقررة هي السجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى 10 ملايين ريال، أو بهما معًا.

وأقرت منظمة الصحة العالمية بأن الدواء المغشوش يغزو جميع دول العالم بصورة متفاوتة، بالنظر إلى إجراءاتها النظامية وتدابيرها الاحترازية، لكنها عمومًا تصل إلى معدل 1% في الدول المتقدّمة، وأكثر من 40% في الدول النامية. وبالنظر إلى هذه المعادلة، فقد ثبتت دقتها حيث أن معدل ما تضبطه الهيئة العامة لمصلحة الجمارك السعودية من أدوية مغشوشة يصل إلى 1% سنويًا من حجم الأدوية المستوردة من الخارج.

وفق آخر إحصاء سنوي للهيئة العامة للغذاء والدواء، نجحت الجهات المعنية في ضبط 625.693 منتج طبي، و14.779.047 قرص، خلال عام واحد، وبلغت الزيـارات التفتيشـية علـى منشـآت الــدواء بالرياض 2437 زيــارة تفتيشــية خلال العام 2018، بنســبة زيــادة 209% عــن العــام 2017، كما تم ضبــط وتحريــز 103186 عبــوة مســتحضر طبــي وإغــلاق عــدة منشــآت دوائيــة مخالفــة، كما جرى للمرة الأولى مســح ميداني لمدينــة الريــاض للتأكــد مـن عـدم وجـود منشـآت دوائيـة مخالفــة، شملت تغطيـة 534 محـلًا للعطـارة تــم خلالهــا مصــادرة 290 منتــج بكميــات 4004 عبــوة/ منتــج مخالــف، جاءت على النحو التالي:

وفي مكة المكرمة بلغت الزيـارات التفتيشـية علـى منشـآت الـدواء، 2684 زيارة تفتيشية، بينما بلغت في المنطقة الشرقية 1097 زيارة، و24 زيارة في تبوك، و166 زيارة في جازان.

لكن هذه الزيارات التفتيشية وإن كانت بمثابة السوط الذي يضرب بيد من حديد على المخالفين والمتاجرين بأوجاع المرضى، إلا أن هناك مصدرًا آخر لا يقل خطورة وهو الاستيراد من الخارج، وهو ما تقف له حكومة خادم الحرمين الشريفين بالمرصاد، من خلال التنسيق بين الجهات المعنية وفي مقدمتها مصلحة الجمارك ووزارة الصحة، وهيئة الغذاء والدواء، لعدم نفاذ أدوية مخالفة أو مغشوشة إلى داخل البلاد.

ومن خلال البيانات التي أتاحتها الهيئة العامة للغذاء والدواء للعام 2018، وقع اختيارنا على الجداول المتعلقة بأبرز المنافذ في المملكة، ففي منفذ الميناء الجاف بالرياض تم تسجيل 233 بندًا مرفوضًا، مقابل 5664 بنود مفسوحًا، وفي مطار الملك خالد الدولي تم رفض 1318 شحنة دواء، وفي ميناء جدة بلغ أجمالي عدد الأصناف المرفوضة 1479، وفي ميناء الملك عبدالله برابغ، لم تسجل أي بيانات لرفض الأصناف خلال عام، وكذلك مطار الملك عبدالعزيز بجدة، فيما بلغ عدد الأصناف المرفوضة في مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز 235 صنفًا.

الأصناف المرفوضة في مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز 235 صنفًا. وفيما يخص الأدوية الآمنة، تصدر الهيئة العامة للغذاء والدواء قوائم محدّثة بصورة دورية، للأدوية المرخصة لها، ويمكن للمستهلكين بالسعودية الاطلاع على هذه القوائم، وحيازتها.

في خطواته الأولى، ساهم برنامج التحول الوطني، ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، في إنشاء نظام تتبع الدواء البشري، وذلك بتبني أحدث وسائل التقنية واستخدامها في تعقب جميع الأدوية البشرية المسجّلة داخل المملكة أو المستوردة من خارجها.

النظام المستحدث يساهم في تعزيز دور "الغذاء والدواء" في تعزيز الرقابة والتأكد من سلامة الأدوية، وذلك من خلال معرفة مصدرها وجميع المراحل التي مرت بها بدءً من عملية التصنيع وحتى وصولها للمستهلك، بما في ذلك عمليات النقل والتوزيع والاستيراد والتصدير وخلافه.

وبحسب هيئة الغذاء والدواء، فإن نظام تتبع الدواء لا يحدّ فقط من انتشار الأدوية المغشوشة واكتشاف مصادرها، وإنما يهدف أيضًا إلى إتاحة المعلومات عن توفر ومكان وجود الدواء خلال وقت وجيز، وهو ما تمت ملاحظته بصورة إيجابية خلال أزمة الإغلاق الناتج عن انتشار فيروس كورونا، كما يتحكم النظام بصورة سريعة وفورية فيما يتعلق بإيقاف تداول الأدوية المسحوبة أو الموقوفة، فضلًا عن تحقيق الأمن الدوائي وتمكين المستهلك من التحقق من مدى سلامة الدواء والإبلاغ عن أي عرض جانبي بعد استخدامه.

التسجيل والتكامل مع نظام التتبع الدوائي
×