قبل أسابيع أعلنت هيئة تقويم التعليم والتدريب نتائج طلبة المملكة في اختبار TIMSS 2019 في الرياضيات والعلوم للصفين الرابع الابتدائي والثاني المتوسط، الذي تنظمه الجمعية الدولية لتقييم التحصيل (IEA) في أكثر من 60 دولة حول العالم.
ومما لا شك فيه أن المملكة قد شهدت تطورًا كبيرًا في مجال التعليم بفضل السياسات التعليمية الحديثة التي تعتمد عليها الحكومة، والاستفادة المثلى من برامج ابتعاث الطلاب السعوديين للخارج، مما كان له مردود قوي على المنظومة التعليمية بوجه عام.
ورغم ذلك وضع التقرير المطوّل الذي أصدرت هيئة تقويم التعليم جزءً منه، مؤشرات سلبية تجاه الأداء التعليمي خلال الفترة الماضية، بما لا يتناسب مع الإمكانات الهائلة التي أتيحت للمنظومة خلال السنوات الماضية، جعلتها في مقدمة الاعتمادات المالية ببنود الموازنة العامة، حيث وصل حجم الإنفاق على التعليم 186 مليار ريال في موازنة 2021، غير أن المؤشر الأكثر سلبية فيما يتعلق بالتقرير، يتعلق بما يمكن وصفه بـ"الوجه الآخر للحقيقة".
البيان الصادر عن "تقويم التعليم" أظهر ما وصفه بـ"التحسن الملحوظ في مؤشرات التحصيل الدراسي"، حيث ذكر البيان أن متوسط درجات طلبة الصف الثاني المتوسط في الرياضيات ارتفع من 368 نقطة عام 2015 إلى 394 نقطة عام 2019، وفي العلوم من 396 نقطة عام 2015 إلى 431 نقطة عام 2019، كما ذكر البيان أن متوسط تحصيل طلبة الصف الرابع في مادة الرياضيات قد ارتفع ليبلغ 398 نقطة في 2019 مقارنة بـ 383 نقطة عام 2015، كذلك ارتفع متوسط تحصيلهم في العلوم إلى 402 نقطة في 2019 مقارنة بـ 390 نقطة 2015.
ودعت الهيئة متابعيها من المتخصصين والإعلاميين إلى مطالعة تفاصيل التقرير على موقعها، واستجابة لها وبالعودة إلى التقرير عبر موقعها الرسمي، تبين من تفاصيله التي تغافل عنها البيان الرسمي، تراجع ترتيب متوسط أداء طلبة الصف الرابع في الرياضيات على مستوى الدول التي شملها التقرير، حيث حلّت السعودية في المرتبة الـ 54 من بين 58 دولة مشاركة، وسبقتها دول لا تُقارن قدراتها المالية ولا إنفاقها على التعليم بإمكانات وقدرات وإنفاق المملكة، التي حصلت على 398 نقطة، أي أقل من معدل "تيمز" المقدّر بـ 500 نقطة، بـ 102 نقطة، كما أنها (المرتبة السعودية) لم تكن من بين 37 دولة مشاركة حققت أعلى من معدل "تيمز".

متوسط أداء طلبة الصف الرابع في الرياضيات في كل دولة من الدول المشاركة في تيمز 2019

المثير أن هيئة التقويم اعتبرت تقدم المملكة في مؤشر "تيمز" على دول مثل جنوب أفريقيا والفلبين وباكستان، أمرًا إيجابيًا، لكنها لم تلتفت إلى تقدم دول أخرى في الترتيب مثل قبرص، وأذربيجان، ومالطا، وصربيا، وغيرها، كما بررت تدني مستوى متوسط أداء الطلبة في المملكة، باختلاف أسلوب تقدير متوسطات أداء الطلاب في الدول المختلفة، بالرغم من وحدة المعايير التي يستخدمها المؤشر في إحصائه العالمي.
كما ذكر البيان أن الطلاب الذين يحصلون على معيار دولي منخفض لا يُنظر إليهم بأنهم ليس لديهم معرفة مطلقة، بل لديهم أساسيات الرياضيات كالمسائل الرياضية على الأعداد المكونة من رقمين مثل الضرب والطرح، كما أن بإمكانهم أيضا التعرف على الأشكال الهندسية الأساسية وفهم الرسوم البيانية والجداول البسيطة، وهو ما سوّق له التقرير كنوع من المسكّنات إزاء ما شمله التقرير من سلبيات.
وشمل التقرير 13 دولة من مجموعة العشرين، وحلّت السعودية في المرتبة الـ12، في المركز قبل الأخير، فيما تذيلت القائمة دولة جنوب أفريقيا.

متوسط أداء طلبة الصف الرابع في دول مجموعة العشرين في الرياضيات

التقرير الذي يقارن بين أداء طلبة الصف الرابع في ثلاث مراحل مختلفة، هي 2011، 2015، 2019، أظهر عدم تطور مستوى الطلاب في الرياضيات خلال السنوات الـ9 الماضية وفق تحليل بيانات "تيمز" التي تضع معايير ثابتة ودقيقة، حيث يتوقع ممن وصل من الطلبة إلى المعيار الدولي المتوسط حل المشكلات الرياضية البسيطة باستخدام المعرفة الأساسية في علم الرياضيات، مثل حل المسائل ذات الأعداد المكونة من ثلاثة أو أربعة أرقام، ولم يصل سوى 23% من الطلبة السعوديين إلى هذا المستوى، وبالتالي حلّت السعودية في المرتبة الـ 53 بين الدول المشاركة وعددها 58 دولة.



النسبة المئوية لطلبة الصف الرابع الذين وصلوا إلى المعيار الدولي المتوسط في الرياضيات

كما يعرّف التحليل الطلبة الذين يمكنهم الوصول إلى المعيار الدولي العالي أو المتفوق، بكل من يتقن المعرفة الرياضية المطلوبة في هذا العمر، ويمكنه حل المشكلات الرياضية، والمسائل المكونة من خطوتين عن طريق استخدام الأعداد الكلية، وغيرها من المعايير التي تتناسب مع هذا العمر، وحلّت المملكة في هذا المستوى بالمركز قبل الأخير بين 13 دولة من مجموعة العشرين شاركت في التحليل، حيث لم يصل إلى هذا المستوى العالي سوى 6% فقط من الطلبة السعوديين، فيما حصلت جنوب أفريقيا صاحبة المركز الأخير على 5%.

النسبة المئوية لطلبة الصف الرابع في دول مجموعة العشرين المشاركة في الاختبار الذين وصلوا إلى المعيار الدولي العالي في اختبار الرياضيات في تيمز 2019

من جانبه دعا الدكتور محمد الملحم المدير العام بوزارة التعليم سابقًا، للارتقاء إلى المستوى المنشود وهو فوق المتوسط الدولي الذي تستحقه المملكة بجهودها وحماسها وصرفها على التعليم، موضحًا أن التقرير الذي نشرته الهيئة يشير إلى أن دورة 2019 شهدت اهتمامًا أكبر بجودة التطبيق مقارنة بسابقتها، وهذا ما قد يوضح أن ارتفاع نتائج 2019 عن نتائج 2015 أحد أسبابه جودة التطبيق
وأشار الملحم في مقال له بإحدى الصحف، إلى أن النزول الواضح في نتائج دورة عام 2015 يطرح تساؤلات حول أحد سببين هو إما تطبيق الاختبار حينئذ وجدية تعامل الطلبة معه أو وجود أثر فعلي متعلق بجودة التعليم بتلك الفترة (2011 إلى 2015) أدى إلى تلك الظاهرة، كما نوه بملمح آخر أفرزته النتائج وهو تفوق البنات على الأولاد في كل المواد وفي كل الصفوف وفي كل الدورات، وهي ظاهرة تستحق التأمل لعدة أسباب أولًا لأنها ذات دلالة وكانت السعودية في مركز متقدم في كبر حجم "الفرق" بين الجنسين مقارنة ببقية الدول، وثانيًا أن الفرق مستمر، بل تم رصده منذ التطبيق التجريبي قبل 2011 ، وثالثًا أن الفروق بين الجنسين في دول العالم تعزى فعلًا إلى فروق فردية تعود إلى الجنس لأن الطالب والطالبة هناك يتلقون نفس التدريس وفي نفس البيئة المدرسية تمامًا، ولكن في المملكة هناك عامل أقوى وهو اختلاف التدريس فمدارس البنات تختلف عن مدارس الأولاد.
إلى ذلك، أكد "الملحم" أنه عند النظر إلى نتائج التقييم على مدى كل أعوام المشاركة كانت أرقامنا في الصف الثاني المتوسط كالتالي بدءً من 2003 على الترتيب: في الرياضيات 332، 329، 394، 368، 394 وفي العلوم: 398، 403، 436، 396، 431، ويلاحظ فيها شيء من الاتساق ماعدا الرقمين 368 للرياضيات و396 للعلوم والممثلين لسنة 2015، مما يطرح تساؤلًا حول مدى جودة المشاركة في ذلك العام (2015)، لافتًا إلى أن المشاركة ربما كانت غير جادة، أو أن شيئًا حدث قبل فترة الاختبار متعلقًا بهاتين المادتين كان له تأثير على أداء الطلاب.
وحول أداء طلابنا بالنسبة للوصول إلى المستوى "المتقدم" في اختبار "تيمز" قال "الملحم" أن النتائج توضح أن أداء طلابنا لم يصل إلى هذا المستوى إلا عام 2011 وبنسبة 1% فقط، وهذه النتيجة وغيرها من النتائج تلفت النظر إلى 2011، شهد حفاظ طلاب المستوى المنخفض حافظوا على معدلاتهم التي وصلوا إليها وهو 47%، وإن كان هذا قد انخفض إلى 34 % عام 2015 وهي السنة محل التساؤل.
وتطرق "الملحم" إلى الفئة الطلابية الذين لم يصلوا إلى المستوى المنخفض في المعايير الدولية، وهؤلاء كانوا حسب السنوات: 27% في 2011، و54% عام 2015، و36% للعام 2019، وهو ما يعني أن طلابنا المتوسطين والمتأخرين دراسيًا جدًا يعانون الانخفاض المستمر.
وبالعودة إلى البيان المنقوص الصادر عن هيئة التقويم فإن قد آثر تسليط الضوء على ما كشفته النتائج من الأثر الإيجابي فيما يتعلق بالتحاق الطلبة برياض الأطفال وممارسة أنشطة القراءة والكتابة المبكرة في المنزل، رغم أنها من حصاد الاهتمام الأسري، في مرحلة ما قبل الالتحاق بالمنظومة التعليمية.

تشرح مستوى تحصيل طلاب التعليم العام وفقًا لتقرير TIMSS 2019