مع ظهور فيروس كورونا في العالم، وقبل أن تصل خطورته إلى المنطقة، بادرت حكومة المملكة العربية السعودية، باتخاذ عددٍ من الإجراءات الوقائية الاستباقية، لحماية مواطنيها والمقيمين داخل أراضيها، حيث فرضت تدابير احترازية صارمة منذ شهر فبراير 2020، متقدمة في ذلك على الكثير من دول العالم، وحتى من دون انتظار المزيد من الضوابط الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
أطلقت المملكة إجراءاتها الاحترازية، قبل 5 أيام من اكتشاف أول إصابة في محافظة القطيف، حينما تسلل الفيروس إلى المملكة عبر مواطن عائدٍ من إيران، عبر نقطة وصول غير مباشرة، مستغلًا نظام التأشيرات السرية التي تتبعها طهران .
بدأت المملكة إجراءاتها الأكثر صرامة لمواجهة الفيروس، حيث علّقت حضور الجماهير لجميع الفعاليات الرياضية، كما فرضت في اليوم التالي قيودًا على التنقل البري مع الدول الخليجية، وألزمت القادمين إليها من عدة دول بالعزل الذاتي لمدة أسبوعين، وبالحجر الصحي على من تثبت إصابته بالفيروس .
فُرض عزلًا كاملًا على محافظة القطيف، رغم أن أعداد الإصابات بها لم تكن قد تجاوزت حينها 11 حالة فقط، وفي اليوم التالي مباشرة صدر قرار بإغلاق المدارس والجامعات بجميع محافظات المملكة، ثم إغلاق لجميع دور السينما، ومراكز التسوق باستثناء متاجر المواد الغذائية والصيدليات، كما عُلّقت جميع الرحلات الدولية في 15 مارس، ومُنح المواطنين والمقيمين عُطلة رسمية، قبل أن يصدر قرارًا بعد يومين بإغلاق جميع المساجد في الصلوات الخمس، باستثناء الحرمين الشريفين .
وفي خطاب "الصراحة والشفافية"، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كلمة متلفزة إلى الشعب السعودي والمقيمين بالمملكة، حيث أكد –أيده الله- أن هذه الأزمة ستتحول إلى تاريخ يثبت مواجهة الإنسان واحدة من الشدائد التي تمر بها البشرية، مشددًا على أن المملكة مستمرة في اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، والحد من آثارها .
واستمرارًا للإجراءات الصارمة، قررت الحكومةإيقاف جميع الرحلات الداخلية للطيران، ورحلات الحافلات وسيارات الأجرة والقطارات، قبل أن تفرض حظر تجول كليّ في المملكة، ومنع التنقل بين مناطقها الـ 13.
الصحة أولًا، مهما كانت التضحيات المبذولة حتى ولو ببعض المكتسبات الاقتصادية.. رسالة وجهها سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، إلى المواطنين والمقيمين في المملكة. وبينما شدد على التناغم الكبير بين القطاعات الحكومية لتحقيق أعلى معدلات السلامة، أجرى سموّه اتصالات مع عددٍ من الرؤساء وكبار المسؤولين الدوليين لبحث الجهود الدولية لمواجهة الأزمة، حيث كان من أبرزها ، مباحثات هاتفية مع كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو .
وإنفاذًا لتوجيهات القيادة الرشيدة، رفعت حكومة المملكة شعار "الإنسان أولًا" وسخّرت كافة إمكانياتها للحفاظ على الصحة العامة والتصدي لتفشي الوباء، قبل أن تُنفذ عددًا من الإجراءات والمبادرات لتخفيف تبعات الجائحة، كما صدر أمر ملكي، بتقديم الرعاية الصحية المجانية للمواطنين والمقيمين، ومخالفي أنظمة الإقامة، على حد سواء، من دون أي تبعات قانونية، إعللاءً للإنسانية، وضمانًا للأمن الصحي .
ولأن تداعيات الأزمة نالت من الأنشطة الاقتصادية والتجارية في جميع دول العالم، نفذت حكومة المملكة مبادرات وبرامج، مثّلت سياج الحماية للقطاع الاقتصادي، حيث أعلنت مع الأيام الأولى لفرض الحظر الكلي عن باقة تحفيزية بقيمة 120 مليار ريال لدعم وتنشيط الاقتصاد، كما ألزمت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" جميع البنوك بإعادة هيكلة ديون العملاء لديها، من دون فرض رسوم إضافية عليهم، كما أعلنت الحكومة في 3 أبريل عن باقة تحفيزية بقيمة 2.4 مليار دولار لسداد 60% من أجور عمال القطاع الخاص، قبل أن تعلن في 15 أبريل عن باقة تحفيزية أخرى لدعم الاقتصاد بقيمة 50 مليار ريال .
"الجواز السعودي" كان حاضرًا بقوة في أوساط الإعلام الأجنبية، اتساقًا مع الرعاية التي أولتها حكومة المملكة لرعاياها في الخارج، حيث بادرت في 5 أبريل، بإنشاء منصة لإعادة المواطنين الراغبين في العودة إلى الوطن، وكُلّفت 9 جهات حكومية لتنفيذ خدمة السعوديين في الخارج، هي وزارات الخارجية، الصحة، المالية، التعليم، الاتصالات وتقنية المعلومات، السياحة، بالإضافة إلى كل من الهيئة العامة للطيران المدني، وبرنامج التعاملات الإلكترونية، ومركز المعلومات الوطني، وامتدت خدمة المواطنين العائدين إلى توفير المساكن الملائمة المجانية خلال فترة الحجر الصحي للتأكد من سلامتهم .
وبينما واجه القطاع الصحي على مستوى العالم بداية ذروة الأزمة خلال أبريل 2020، بلغ إجمالي ما اعتمدته المملكة منذ تفشي الوباء 15 مليار ريال، تم تخصيصها لرفع جاهزية القطاع الصحي وتأمين مخزون الأدوية كما رفع وزير الصحة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، طلبات مالية إلى نهاية السنة المالية تُقدّر قيمتها بنحو 32 مليار ريال أخرى وتمت الموافقة عليها ،كما أعلنت حكومة المملكة مؤخرًا، قرارًا يسري اعتبارًا من تسجيل أول إصابة داخليًا، يقضي بصرف مبلغ مقداره 500 ألف ريال لذوي المتوفى بسبب الجائحة، من العاملين في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنيًا كان أم عسكريًا، وسعوديًا كان أم غير سعودي.
وعلى الصعيد العالمي.. في مارس الماضي، بادرت المملكة الرئيس الحالي لمجموعة العشرين G20 خلال عام 2020 بالدعوة إلى اجتماع قمة استثنائي –افتراضي– لتوحيد الجهود لمواجهة انتشار وباء كورونا، وما يترتب على الأزمة من آثار إنسانية واقتصادية واجتماعية، تتطلب استجابة عالمية، وخلال كلمته الافتتاحية للقمة، أكد خادم الحرمين الشريفين، على الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية، كما دعا –سلّمه الله- إلى معالجة تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المالية، والتصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة، وتعهدت مجموعة العشرين برئاسة المملكة، تقديم مبادرات بقيمة 5 تريليون دولار لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية .
أعلنت السعودية، من خلال رئاستها لمجموعة العشرين، مساهمتها بتقديم 500 مليون دولار للمنظمات الدولية، لدعم جهود مكافحة فيروس كورونا، وتعزيز جهود المنظمات الدولية المختصة في تعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة، وتطوير أدوات تشخيصية وعلاجات ولقاحات جديدة وتوزيعها، وتلبية احتياجات الرصد والتنسيق الدولي، وخصصت 150 مليون دولار، لتحالف ابتكارات التأهب الوبائي، و 150 مليون دولار للتحالف العالمي للقاحات والتحصين، و200 مليون دولار للمنظمات والبرامج الدولية والإقليمية الصحية المختصة الأخرى .
وفي اليمن أعلنت قوات تحالف دعم الشرعية وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وساهمت بمساعدات طبية بلغت قيمتها 3.5 مليون دولار، كما استضافت بالشراكة مع الأمم المتحدة مؤتمرًا افتراضيًا لـ"المانحين لليمن"، حيث قدّمت مساعدات إنسانية بقيمة 500 مليون دولار، من بين 1.35 مليار دولار نجح المؤتمر في تأمينها .
وسلّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية- حتى سبتمبر الماضي- وزارة الصحة الفلسطينية ثلاث دفعات من المساعدات الطبية المقدمة من المملكة للشعب الفلسطيني لسد الاحتياجات الضرورية التي حددتها السلطة الفلسطينية، من أجل مواجهة الفيروس .