الجماعة.. والسلطة

كيف كشف "التطبيع" أقنعة الخداع
والتربح السياسي؟!

إذا سألته لماذا تٌطبّع تركيا تاريخيًا مع إسرائيل؟! يجيبك نحن نتابع ماذا ستفعل السعودية في ملف التطبيع؟!.. إجابة مُعلّبة وجاهزة، من قبيل الكوميديا السوداء، نُطالعها على لسان عناصر إخوانية في معرض ردها على سؤال حول العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، أو بين إسرائيل وأي دولة أخرى، عربية كانت أو غير عربية، وتزيد حصة الكوميديا السوداء إذا كنت تُطالع هذا الفاصل على وسائل الإعلام التركية الناطقة باللغة العربية، وأبواق جماعة الإخوان الإرهابية، خلال تناولها المتناقض لملف العلاقات بين إسرائيل وعدد من دول المنطقة، وتربح الجماعة السياسي من وراء مواقفها تجاه عدد من الدول العربية بتبادل السفراء مع إسرائيل خلال العام 2020، والذي بدأت خطواته من دولتي الإمارات والبحرين، وتبعهما السودان، ثم مؤخرًا المغرب وتركيا التي أعادت سفيرها إلى تل أبيب.

أقنعة السلطة والإخوان

أن تتعدد الوجوه الإخوانية لموقف واحد، فهذا هو الطبيعي لجماعة الإخوان الإرهابية، لكن المثير أن تتلاقى تلك المواقف مع مواقف السلطة الفلسطينية تجاه تلك الملفات، ففور إعلان الإمارات والبحرين وإسرائيل عقد اتفاق ثلاثي لتبادل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، شنّ الإعلام الإخواني هجومًا على الدولتين الخليجيتين، تزامنًا مع موقف القيادة الفلسطينية، التي وصف الاتفاق بـ"الخيانة"، والموقف "المشين"، فيما كان الموقف الفلسطيني أقل حدة تجاه ذات القرار الصادر عن دولة السودان، واكتفت بإعادة التأكيد على أنها سوف تتخذ القرارات اللازمة لحماية مصالح وحقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة.

مأزق المغرب

ورغم البيانات الإخوانية التجارية، والمواقف الشعوبية للسلطة الفلسطينية، كان الصمت عنوانهما تجاه إعلان المغرب نفس القرار، حيث اكتفى إعلام الإخوان وكذلك قيادات السلطة الفلسطينية بالتأكيد على أن اتصالًا جرى بين رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن والعاهل المغربي الملك محمد السادس قبيل الإعلان عن تفاصيل الاتفاق، ولم يكن من قبيل الصدفة، أن يُجري وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو اتصالًا مماثلًا مع نظيره المغربي ناصر بوريطة تناول اتفاق التطبيع المبرم بين المغرب وإسرائيل، حيث قدّمت تركيا نفسها كعرّاب لهذا الاتفاق أو على الأقل مرحبًا بخطوته. ويرمي الإعلام التركي الناطق باللغة العربية، فكرة اختلاف الاتفاق المغربي عن الاتفاقات الأخرى التي أُبرمت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لكن مُني هذا الإعلام بفشل ذريع لتناقض مواقفه الشديد، لاسيما أن الحزب الحاكم في المغرب وهو العدالة والتنمية، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في المغرب، قد هنّدس وأدار ملف التطبيع تزامنًا مع اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء.

رقصة "المونولوجست" التركي

فيما أعلنت تركيا إنهاء المشهد العبثي، وكشف النقاب عن صفقات الليل مع إسرائيل، وعودة العلاقات التاريخية بين البلدين إلى دائرة الضوء، بإعادة سفير أنقرة إلى تل أبيب، ابتلع الإعلام الإخواني بالداخل التركي وخارجه ألسنته، ليكتب فصلًا جديدًا من الكوميديا السوداء لـ" المونولوجست" الراقص أردوغان الذي أعاد سفيره إلى إسرائيل بعد أقل من شهرين على إعلانه إمكانية سحب سفيره من أبوظبي احتجاجًا على الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي.

ولم تبدِ السلطة الفلسطينية موقفًا مماثلًا لمواقفها تجاه الإمارات والبحرين، كما لم تصف عملية إعادة تركيا علاقتها مع تل أبيب إلى النور بـ"الخيانة"، ولم تُحرك حركة حماس ساكنًا إزاء إعادة الخليفة المزعوم سفيره إلى دولة الاحتلال، وهو ما يعيد إلى التاريخ موقفها في 2016 حين أعلنت عن تقديرها لـ"أردوغان" غداة قراره بإعادة السفير التركي إلى تل أبيب بعد خلاف دام 6 سنوات على خليفة سفينة "الشو" التركية إلى غزة.

ومما لا يرقى إلى مستوى الشك، أن الاتفاق الذي أبرمه "أردوغان" خلال ذات العام مع إسرائيل، يُصنف في قائمة المعاهدات الدولية بين اتفاقات التطبيع الكاملة، وزاد على ذلك "أردوغان" بتوقيعه على نص يؤكد أن القدس عاصمة لإسرائيل، حين نصت ديباجة الاتفاقية على أنها موقعة "بين حكومتي أنقرة والقدس"، وخلال العام 2016 أيضًا جمع لقاء سري هاكان فيدان رئيس استخبارات أردوغان مع رئيس الموساد، حيث تعهدت تركيا وضمنت تراجع حماس عن أية أنشطة عسكرية ضد إسرائيل.

الصمت الإخواني وكذلك الفلسطيني إزاء عربدة أردوغان وتناقضه السياسي كان حاضرًا كذلك في عدة حلقات خلال العام 2020، كان أبرزها حين غازل "أردوغان" إسرائيل بإرسال شحنات من المساعدات الطبية إلى إسرائيل خلال أزمة كورونا، وهو ما بادر إعلام الإخوان بنفيه في البداية قبل أن تعترف به أنقرة رسميًا عبر وزير الصحة فخر الدين قوجة، فيضطر الإعلام المارق إلى الصمت المخزي.

وفي حلقة أخرى، ومع تصاعد الغضب الدولي إزاء النهب التركي لثروات شرق المتوسط، غازل "أردوغان" إسرائيل بإرسال رسالة سرية إلى حكومة تل أبيب عبر مسؤول تركي رفيع، حيث سلّم عرضًا مكتوبًا، بتقديم الخدمات اللوجستية لتوصيل الغاز الذي تستحوذ عليه إسرائيل إلى أوروبا، وتنفيذ مشروعات ضخمة مشتركة بحوض شرق المتوسط، متجاوزًا بذلك ليس فقط حقوق الفلسطينيين في الغاز، ولكن حقوق لبنان ومصر، بالإضافة إلى قبرص واليونان، وبموجب نفس العرض شددت حكومة العدالة والتنمية تهيئة الأراضي التركية لتمرير خطوط أنابيب تستطيع إسرائيل من خلال تصدير الغاز الذي تسيطر عليه إلى أوروبا، لكن مع افتضاح الخطوات السريّة ورغم اعتراف أنقرة بها عبر وكالة الأناضول الرسمية، برّر الإعلام الإخواني الخطوة، بينما فضّلت السلطة الفلسطينية الصمت.

الحقائق التاريخية المغيّبة

تعد تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949.. حينها لم تكن دماء شهدائنا الذين ذهبوا للدفاع عن فلسطين قد جفت، ولم تكن جماعة الإخوان حينها تُفكر سوى في إبرام الصفقات مع الأنظمة العربية، لتتمكن من البقاء، والهرولة وراء استعادة حلم الخلافة العثمانية التي سقطت عام 1923.

وفي 7 يناير 1950، تبادلت تركيا مع إسرائيل السفراء بتعيين أول رئيس للبعثة الدبلوماسية في الممثلية التركية بتل أبيب، وفي خمسينيات القرن الماضي عقدت إسرائيل وتركيا اتفاقا سريًا واستراتيجيًا موسعًا عُرف بـ" الميثاق الشبح" حيث ظل طي الكتمان فترة طويلة، وبموجبه وسعت تل أبيب مع أنقرة من التعاون العسكري والاستخباراتي والدبلوماسي، كما كانت الوظيفة الأساسية لهذا الاتفاق موجهةً ضد العرب. كما تعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 وجهات تجارية للبضائع التركية، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين عام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار ليرتفع بنسبة 14% في العام 2017.

كما أنه من الحقائق التاريخية المشهودة، أن السلطة الفلسطينية سارعت قبل 27 عامًا لعقد اتفاقيات أوسلو وتوقيع مجموعة من التفاهمات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي بدأت مفاوضاتها سرًا في النرويج، ونتج عنها اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل كدولة ذات سيادة، وكانت المفارقة أنه في مثل هذا العام كانت دول الخليج لا تزال تجمع التبرعات من طلابها بالمدارس، وتقتطع من أقوات شعوبها لدعم القضية ومساعدة الشعب الفلسطيني.

وبغض النظر عن المواقف التاريخية بين السلطة وإسرائيل، إلا أن الحلقة الأكثر إثارة في مسلسل الكوميديا السوداء، كان قرار السلطة في نوفمبر الماضي بعودة العلاقات مع إسرائيل إلى ما كانت عليه، بعد فترة قصيرة من تعليقها، ومن أجل هذا القرار تحدت السلطة جميع الفصائل الفلسطينية وتنصلت من اتفاق الأمناء العامين للفصائل في مطلع شهر سبتمبر الماضي.

نهاية التقرير